«أيها البريطانيون: نرجو مساعدتنا في التوقف عن هذا العمل، إذا رأيتم إساءة معاملة من عمالنا الرئيسيين، يرجى الإبلاغ عنها. إذا سمعتم معلومات خاطئة، فيرجى الاتصال بنا». هذا النداء بدا لكثيرين كما لو أنه استغاثة من ساحة حرب، أو إنذاراً قبيل معاودة أحد البراكين قذف حممه. لكن لا شيء من هذا القبيل على الإطلاق. بل هو نداء اتفقت على توزيعه أربع شركات للاتصالات تعمل في لندن هي (إي إي. أو 2. ثري وفودافون). لقد وجدت نفسها مضطرة لهذا النداء، بعدما أحرق متظاهرون أربعة أبراج للاتصالات في مدن بريطانية، من بينها لندن وبرمنغهام. والمساعدة التي حددتها هي: منع الأشخاص ممن يؤمنون بـ«نظرية المؤامرة» من إحراق المزيد من أبراج شبكات الاتصالات الخليوية الخاصة بتقنية الجيل الخامس (G5)، وعدم الاستسلام لنظرية المؤامرة المزيفة التي تروّج لها وسائل التواصل الاجتماعي. والغريب أن أحد تلك الأبراج المُحترقة ليس مخصصاً لخدمة «جي فايف». هؤلاء الأشخاص الذين تمت الإشارة إليهم بـ«المؤمنين بنظرية المؤامرة»، دفعهم إلى القيام بذلك العمل، مجرد اعتقاد مفاده أن ثمة علاقة مباشرة بين الأبراج وبين انتشار فيروس كورونا، رغم دخول منظمة الصحة العالمية على الخط بمنشور إلكتروني جاء فيه: «إن ما يتم تداوله بشأن علاقة انتشار فيروس كورونا بأبراج شبكات الجيل الخامس للاتصالات لا أساس له من الصحة. إن فيروس كورونا لا ينتقل عبر موجات الراديو، أو شبكات الهاتف المتحرك، أو شبكات الجيل الخامس المصنوعة في الصين». ورغم أن المسألة بدت أقرب إلى النكتة الثقيلة منها إلى مسألة تستوجب التفكير والنظر، فإن نفي وجود نظرية المؤامرة في الوقت الراهن تبدو مهمة شائكة، بسبب أن العالم دخل اليوم في مرحلة «وباء المعلومات الُمضلِّلة» (Infodamic) ومحركها الرئيس وسائل التواصل الاجتماعي التي تشهد تدفق محتوى معلوماتي متعدّد الأشكال والأساليب واللغات، مما يعزّز تضليل العامة بأن نظرية المؤامرة باتت اليوم وراء كل إجراء، مهما كان وضوح أهدافه. إن الأخبار الكاذبة قد تحوّل الناس إلى ما يشبه القطيع في الميل لتدمير أي منجز حضاري، كما حدث في لندن. وهو مرشح للانتقال إلى غيرها من العواصم. فالشكوك وإن استندت إلى نقص المعلومات العلميّة، قد تشكّل دافعاً قوياً للأفراد والجماعات للقيام بعملية نكوص حضاري غير متوقعة، تشبه ما اعتادت الجماعات المتطرفة اقترافه من دمار.