الحب ليس مسألة خيار، إنه فطرة تخرج من ترائب ومن أصلاب، هو صورة السماء في القلب، وهو سيرة الخلق في البداية، والنهاية، هو في الجذر، وفي النسق، وفي الرمش والحدق.
عندما تتأمل عيني من تحب، ترى البريق حريقاً لذيذاً يتألق ويتدفق يستولي على وجه القمر، ويمنحه لمن تحب، ويكمن بين أهداب الشمس، ليمنحك الضياء وتكون أنت الأرض التي تحتضن الدفء، وتضم بين تلافيفها الشوق والتوق، وما جاش في صميم الأفق.
الحب صناعة فطرية، والكراهية شوائب ما بعد حرائق الأنا. عندما تجد إنساناً كارهاً، فاعلم أن الأنا تختبئ في معطف الذات، واعلم أن الأنا توقد ناراً في الداخل، وتشعل حطباً.
لم يخلق الإنسان لذكره، كما هي جل الكائنات، إنما ما يلي ارتعاد الفرائص، واقشعرار الأبدان، هو ما تتخلق فيه هذه البذرة الشيطانية، هو ما تحيك حبائله، وتنسج قماشته الرثة، تلك الأنا القابعة تحت كل لوح قديم، مثل حشرة ضلت الطريق إلى النور.
قد تجد قاتلاً، يطأطئ رأسه، وينتحب، ويلعن اللا شيء، بعد أن يرتكب جريمته. لماذا؟ هو ذلك التأنيب القادم من مناطق بعيدة، تسمى الضمير، ولكن هذا الضمير يكون ضامراً، منكفئاً، في وقت الجريمة، لأن الأنا انتعشت، وارتعشت، وتفشت، وأبرزت مخلب العدائية، وفاضت جللاً، وأفضت عن علل، واستباحت مشروع الحب الفطري بفجاجة، وسماجة، وأطاحت بحلم الإنسان الطبيعي، بأن يكون عاشقاً للحياة، واستنفرت جل قواها من أجل تنفيذ عدوانيتها، وغرس بذور الكراهية في الوجود.عندما يحدث أن يفكر إنسان في قتل إنسان، فتأكد في أن هناك خللاً في ماكينة الأنا، وأن العربة مصابة بالعطب، وعليك البحث عن أسباب هذا الخلل.
وإذا اقتنعنا أن الحب فطرة، والكراهية ثقافة نستطيع في هذه الحالة إعادة البناء، وإزالة الصبغة الزائفة، وتوفير كل ما يلزم، لاستعادة ما تلف من الجدران، والألوان، وبعد ذلك، سوف نكتشف أننا انتصرنا على أنانية الأنا، وعدوانيتها، وسوداويتها، وقتامة لونها، وجهامة وجهها.
نحن بحاجة إلى اللون الأبيض في حياتنا، ونحن بحاجة إلى الخروج من شرنقة الثوابت الزائفة، حتى نحرر الذات من صدأ ما علق بها، ولا مستحيل في هذا، طالما اقتنعنا أن بعض ثقافات العالم هي التي زرعت أشجاراً شوكية، أعاقت وصول الإنسان إلى الماء العذب، وكل ما علينا فعله، هو إزالة هذه العوائق، وتمهيد الطريق، لاستعادة الكنز المفقود.
قد نعتقد أن مثل هذه الأفكار مجرد نظريات تخطر على بال من يأملون في إزاحة القلق عن كواهلهم، ولكن الحقيقة هي هذه، فالإنسان ابن الطبيعة، وراعيها، وسمة الطبيعة هي الحب.