الأيام صفحات نحن الذين نضع الكلمات على سطورها، نرفع الفاعل، وننصب المفعول به، ونجر المجرور، ولكل منا كتابه، ولكل منّا روايته، نستطيع أن نقرأها بحذافيرها إذا كنا بمثل شفافية الماء، ومثل عفوية الطير، ومثل فطرة الشجرة، ولكن بعضنا يأبى إلا أن يكون بصلابة الصخر، وبمثابة الحفرة العميقة، وشكل الكهف.
بعضنا يبقى عصياً على السير نحو الحياة إلا بدفع رباعي العجلات، وذلك إن أمكن، ولكن بعض الرمال في الحياة عتية على الاختراق، ولذلك يبقى هذا البعض في المكان نفسه، وتغادره القوافل، وتتوارى عن ناظريه، ليبقى منعزلاً كخنفساء في زاوية من الجدران العتيقة.
بعضنا يعتقد أن البقاء في الحفرة السوداء، درءاً لخطر انكشاف حزمة الشوائب التي تغطي كاهله، وتثقله، وتحمله إلى نقاط صفرية، مريبة، وغريبة، وعجيبة، حتى يصبح في الوجود كأعجف وأرجف، يكافح الريح كي تتسرب في ثقوب الفكرة، ولكنه لا يجد ما يمنحه الفوز بتجاوز محنة العجز والانحطاط، والسقوط في قاع الوحل.
بعضنا فقد القدرة على الحلم، عندما غط على سرير، مهده من خشب المشاعر الصلبة، وملاءته من إحساس أشبه بنشارة الخشب، أو رماد مراحل الانطفاء. البعض يجلس على كومة أفكار مسبقة، ولا يستطيع مغادرة الماضي، حتى ولو جر بناقلة مجنزرة، لأنه أخفق في التصدي للوهم، وفشل في ردع الخرافة، وعجز عن التفريق، ما بين الحقيقة والخيال. البعض غرق في بحيرة العصاب القهري، واستمرأ ذلك، برذيلة الأفكار المصنوعة من بلاستيك أشجار الظل، وبذاءة خداع البصر، وكذبة البصيرة.
بعض الناس هكذا يبدو في الحياة، يسبح على الرمل، ويمشي على الماء، ويطير في قاع زجاجة أضيق من ثقب الإبرة.
 واهم إلى حد السذاجة، متفاقم إلى درجة البلاهة، ومحتدم، وكأنه خارج من أحشاء حشرة نافقة، منكفئ وكأنه يغط في العتمة، منطفئ وكأنه مصباح عطب.
بعضنا هكذا يجثو على ركبتي الترهل، فلا هو واقف، ولا هو جالس، هو في حقيقة الأمر مسجي مثل قارب فرت عنه مجاديف الأمل.
بعض الناس هو هكذا، ككرة فاسدة، يتدحرج على كومة قش، هو هكذا مثل زعنفة بائسة، لفظتها موجة عارمة، هو هكذا يختال ضاحكاً من أثر السفاهة، ويمضي في الحياة، خاوياً، ذاوياً، جاثياً على زائدة دودية محتقنة، يكتب اسمه على صفحات دخان المراكب العطبة، فيغيب الدخان، ويصبح هو في المجاهيل.
بعض الناس هكذا مثل خفاش أحمق، يعتقد أنه يرى، فلا يرى، فيصطدم بجدران الحقيقة!