انتهيت من قراءة رواية الكاتب والأديب الروائي الدكتور أحمد الدوسري، الذي أهداني نسخة منها قبل قدوم جائحة كورونا بأيام معدودات عندما غزتنا فجأة وفرقتنا من جديد، بعد أن حاولنا لم الشمل والاقتراب من بعضنا البعض، حيث التقينا بالعاصمة السعودية الرياض، وقد تحدثنا عن الرواية وأبطالها وشخوصها ومحتواها، ثم تفرقنا على أمل أن نلتقي قريباً، لكن فاجأتنا الطامة الكبرى متمثلة في جائحة كورونا التي لم يتوقعها أحد أو يعرفها من قبل، حيث إنها أخذت العالم كله على حين غرة وداهمته فجأة دون مقدمات.
أقول، أهدى لي أحمد الدوسري روايته «شارع الدبوس»، في النسيم شارع 40 بمدينة الرياض، وربما هي الرواية العاشرة للكاتب، بعد أن أصدر أكثر من 40 كتاباً ودراسة في مجالات النقد والشعر والنثر والرواية والأدب.
المهم أن روايته «شارع الدبوس»، والتي تقع في 590 صفحة من الحجم المتوسط، تتكون من سبعة أجزاء، صدرت عن منشورات «ذات السلاسل»، لكن المؤلف كتبها بدون قيود ولا سلاسل، لذلك فهي الرواية الأقرب والأصدق في تصويرها للواقع وتشخيصه، ولعل بالنسبة للمؤلف أهم رواياته، أقول ذلك وأكاد أجزم به. وحسب تقديري وتصوري ومعرفتي بشخصية الدوسري وتركيبتها السيكولوجية، فإن الرواية صادقة وتكاد تكون واقعية وربما تكون قريبة من سيرة ومسيرة حياة مؤلفها. نكتشف شخصية الدوسري في ثنايا سطور وجمل ومفردات النص في روايته «شارع الدبوس»، حيث نجد فيها روح الرجل ونفَسه الخاص مجتمعين في شخصيات هذه الرواية الجديدة الموسعة بتفاصيل أحداثها، المفعمة بالأحداث والمواقف والوقائع، الخليجية والعربية والعالمية. إنها رواية يجمع في ثناياها المتناقضات من آراء الشخصيات الخليجية والعربية، ويحكي قصة مقيمين في الكويت كانوا يتعايشون بانسجام وتجانس وتناغم، في بيئة صحية وتحت مظلة واحدة، رغم أهوائهم ومويلهم السياسية والدينية المتباينة، قبل أن يأتي الغزو العراقي للكويت في عام 1990، ليتفرق الجميع بعد ذلك، بمن فيهم مؤلف الرواية الذي رست به الأقدار في جنيف، ليشد الرحال من هناك مجدداً ويعود إلى الكويت، لجمع شتاته الممزق، وبنات أفكاره المشتتة. وهناك يتذكر أصحابه ويتفقد مكان تجمعهم الهادئ والأليف، وحكاياتهم العذبة والمرحلة والدافئة في تلك المرحلة الرائعة والجميلة الصادقة، التي كانت تشكل حالة خاصةً وربما متفردة، كتجربة عربية في بيئة ديمقراطية وحالة صحية مريحة في تلك المرحلة الملهمة، التي أنتجت وأفرزت مبدعين كثر من الشباب الذين فرقتهم الظروف الصعبة وجفاهم القدر المحتوم.
وحاول الكاتب أن يجمعهم في «جروب» أطلق عليه «أصدقاء الزمن الجميل»، قبل أن يجمعهم في روايته الجديدة في شارع الدبوس!
لقد اختزلت الرواية ملامح شخصيات أصدقاء البطل، وهي شخصيات مرحة وطيبة، صورة ذلك الزمن الجميل الذي اختفى وغاب ولن يتكرر، وقد اجتمعت أسماؤهم على الورق الأصفر، لكن الحقيقة المرة والقاسية والمؤسفة أن الكثير منهم رحل من دار الدنيا الفانية إلى دار البقاء الأبدية.

*كاتب سعودي