لا يكاد كثيرون يصدقون أن أفريقيا من أكثر المناطق التى أبدت صلابة نسبيةً أمام جائحة كورونا. ومن ينظر إلى خريطة هذا الوباء الذي تحول إلى جائحة، وإلى مجالات انتشاره في القارة، يعرف أن كثيراً من الأماكن قد تصدت له وأنها الأقل استجابة لاجتياحه.
الخريطة أمامي، والأرقام تتزايد دون منطق يفسر ذلك، إلا قبول حكومات معينة مواجهةَ التحدي، وتساهل أخرى في المواجهة. لذلك من الصعب أن تجد تفسيراً لكل الحالات المرضية المؤكدة أو حالات الاكتفاء بالعزل والتحفظ.
في مطلع شهر أبريل الماضي توضح لنا الخرائط أن 39 دولة أفريقية قد عرفت هذا المرض، ولم تبد حزماً كافياً في إجراءات الحجز والحجر والعزل. وإلى ذلك تقول نفس الخرائط إن نحو 50 مليون شخص معرضون لخطر المجاعة في غرب أفريقيا، بسبب تداعيات الوباء، وفي ظل موجة جفاف وحالة انعدام للأمن قائمتين أصلاً.
وتذكر منظمة «أوكسفام» المتخصصة في رصد الأزمات الإنسانية والمعونات الخارجية، أن وباء كورونا يشمل العديد من دول غرب القارة، متوقعةً أن يتفاقم خلال الأشهر الثلاثة القادمة فى منطقة «الايكواس» (المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا).
وتشير الحالات المؤكدة لكورونا في أفريقيا إلى تنوع مناطق انتشارها، إذ باتت تشمل معظم الخريطة الأفريقية، وعلى أوسع نطاق.
وثمة تحديات خاصة بظروف القارة الأفريقية، حيث تحذر منظمة الصحة العالمية من أن أمراضاً أخرى في القارة يمكن نسيانها، وهي أكثر فتكاً، وعلى رأسها الملاريا. كما أن وباء كورونا يمكن أن يتسبب في مجاعات واسعة النطاق، مثل ما حدث في المناطق التي شهدت إيبولا من قبل. وتمضي التنبؤات إلى القول بأنه في الأشهر القليلة القادمة سترتفع حركة المرض في القارة بنسبة 200% حتى أغسطس لتصل نحو 50 مليون حالة، مقابل 17 مليون حالة في يونيو.
ويلعب ضعف الرعاية الصحية في معظم الدول الأفريقية، وافتقارها لأجهزة الكشف المبكر عن المرض، دوراً مهماً فى تضاعف أعداد المصابين. وتوضح جداول الإحصاءات انتشاراً غير منظم للمرض في جميع جهات القارة. ويتضح أن معظم حالات العدوى في الواقع الأفريقي قدمت من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وما ساعد على سرعة انتقالها هشاشةُ البنية الصحية الأفريقية، وضعف إمكانيات الرصد، ومن ثم العجز عن محاصرة انتشار المرض في مجتمعات تعاني في الأصل مصاعب كثيرة.
وهناك عوامل ستساهم بدور في مصير المعركة ضد كورونا في أنحاء أفريقيا، حيث سيؤدي توقف القطاعات الإنتاجية، الزراعية والصناعية، بسبب كورونا، إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية فيها. كما توجد أسئلة حول فاعلية المنظمات الإقليمية المتعددة، مثل «الإيكواس» في غرب القارة، «وسارك» في جنوبها، و«الإيجاد» في شرقها.. وكان هذا التنوع مجال خدمة للاستقرار الاقتصادي ومصدر قدرة على التعاون في مواجهة التحديات والمصاعب على اختلافها، لكن هل يبدي فاعلية في مواجهة كورونا؟
لابد أن نأخذ بعين الاعتبار أن من أكبر التحديات هو تعدد دور الحكومات في مواجهة قضايا الفساد، مثلها مثل مشاكل البطالة، والهجرة الشرعية وغير الشرعية، وضعف الاستثمارات القادرة على استيعاب الأيدي العاملة، وهذا ما يساعد على ضعف المقاومة المجتمعية لمرض خطير مثل كورونا.

*مدير مركز البحوث العربية والأفريقية -القاهرة