على الرغم من أن الوباء العالمي لم ينته بعد، إلا أن بعض المراقبين شرعوا منذ الآن في بحث وتقييم أي البلدان تعاطت مع كوفيد 19 بنجاح، وأي قطاعات من الاقتصاد العالمي عانت وأيها ازدهر، وكيف ستؤثر هذه الأزمة على مستقبل ميزان القوة الدولي في المستقبل.
الزعماء السياسيون في تايوان ونيوزيلاندا وكوريا الجنوبية وألمانيا من بين أولئك الذين يتلقون أكبر قدر من الإشادة عن جهودهم السريعة والمبنية على العلم في التخفيف من آثار الفيروس والحد من انتشاره. وبالمقابل، تأتي الولايات المتحدة وروسيا والبرازيل والمملكة المتحدة في مراتب متدنية بخصوص كيفية تدبير أزمة الفيروس. أما أداء الصين، فإن الآراء متضاربة بشأنه. إنها بلد المنشأ الذي خرج منه الفيروس. في المراحل الأولى من الوباء، ولكن حالما اعترفت الصين بحجم أزمتها، تحركت بسرعة وحزم من أجل احتوائه. إلا أنه ما زال من غير الواضح ما إن كانت الصين ستسمح لبلدان أخرى بالتحقيق بشأن أصل الفيروس. وتتزعم أستراليا حاليا الجهود الرامية لفتح هذا التحقيق، وهو ما ترفضه الصين. ولكن أستراليا تحظى بدعم متزايد بخصوص هذا الموضوع، وخاصة من أوروبا وبلدان أخرى في آسيا.
قطاعات الاقتصاد العالمي الأكثر تضررا من الفيروس تشمل قطاعات السفر والضيافة والسياحة والصناعة بما في ذلك إنتاج السيارات. فقد أدى هذا الانخفاض في النشاط الاقتصادي إلى ارتفاع دراماتيكي في أعداد البطالة، على غرار مستوى البطالة الذي تسبب فيه «الكساد الكبير» في ثلاثينيات القرن الماضي. ومن جهة أخرى، منح الإغلاق وسياسات التباعد الاجتماعي دفعة لمعظم شركات التكنولوجيا الفائقة التي توفر خدمات الإنترنت وللأنظمة المتطورة على نحو متزايد التي تسمح بعقد اجتماعات الفيديو.
وما صعود «زوم» كوسيلة جديدة للاجتماعات الافتراضية إلا مثال واحد على ذلك، ومع تمديد فترات الإغلاق، من المحتمل أن يزداد الارتفاع في الاشتراكات في المزودين الإعلاميين على الإنترنت مثل «نتفلكس». كما عرفت تجارة بائعي التجزئة على الإنترنت ازدهارا، في حين يعاني بائعو التجزئة التقليديون والمراكز التجارية من الكساد. وفي هذا السياق، فإن جيف بيزوس، مؤسس «أمازون» والذي يُعد أصلا أغنى رجل في العالم، رأى ثروته تنمو بمليارات الدولارات خلال الأشهر القليلة الماضية، في حين أعلنت متاجر شهيرة مثل «نيمان ماركوس» إفلاسها. التوقعات تذهب إلى أنه حتى في حال تم احتواء الفيروس وإيجاد لقاح فعال للسيطرة عليه، فإن العادات التي طُورت خلال فترة الإغلاق لن تختفي بين ليلة وضحاها. فقد يخلص المدراء إلى أن اجتماعات الفيديو طريقة أرخص وأكثر فعالية بكثير للقيام بالأعمال الروتينية من السفر إلى الاجتماعات وتحمل تكاليف السفر بالطائرة والفنادق.
تأثير هذا الفيروس على توازن القوة العالمي من الصعب تقييمه في هذه المرحلة. ولا شك أن القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم، الولايات المتحدة والصين، لم تبديا زعامة قوية. إذ ينظر إلى الولايات المتحدة، بشكل خاص، على أنها «غائبة»، ويبدو الرئيس ترامب مهتما أكثر بإلقاء اللوم على الآخرين وتحميلهم مسؤولية الكوارث التي جعلت الولايات المتحدة بؤرة للوباء. وروسيا بوتين، التي باتت تسجل الآن ثاني أكبر عدد من حالات الإصابة بالفيروس، كانت متقاعسة في الإعلان عن أعداد وفياتها وبطيئة في الرد على حجم مشاكلها. ومن جانبه، قلّل الزعيم البرازيلي جائير لولسونارو من خطورة الفيروس، وهو الآن يعاني من انخفاض كبير في معدلات شعبيته بينما تستفحل مشاكل البرازيل وتزداد سوءا، وخاصة في ولاية «أمازوناس» الواسعة التي تضم معظم السكان الأصليين الذين يُعدون أكثر عرضة لخطر الفيروس.
مصير زعماء القوى الكبرى الحاليين سيعتمد على السرعة التي سيتعافى بها الاقتصاد العالمي وعلى تطوير لقاح فعال يكون رخيصا ومتوافرا من عدمه. فإذا دام الدمار الاقتصادي لعدة أشهر وربما سنوات، مثلما يتوقع العديد من الاقتصاديين، فإن البلدان الديمقراطية يمكن أن تصوّت لتغيير زعاماتها. أما زعماء الدول السلطوية، فسيستخدمون على الأرجح تدابير أكثر قمعية من أجل البقاء في السلطة، ولكن بقيامهم بذلك سيركبون خطر اضطرابات سياسية وإمكانية استبدالهم في انقلابات أو حتى ثورات.