كما هو الحال مع الكثير من القادة في جميع أنحاء العالم، يواجه رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، تحديين يتعين عليه التعامل معهما. فهو، من ناحية، بحاجة إلى ضمان أن فيروس كورونا المسبب لـ«كوفيد-19» قد تم احتواؤه ولا ينتشر بين عدد السكان الهائل في الهند والذي يبلغ 1.3 مليار نسمة، وهو الأمر الذي سيكون كارثياً. لكنه، من ناحية أخرى، يحتاج إلى التأكد من أن الهند لا تقع في ضائقة اقتصادية أو ركود كبير، مما سيكون له تأثير كارثي على مستويات الفقر في الهند، ويدفع الفقراء إلى فقر أكبر.
في الأسبوع الأخير من أبريل، قام مودي بتخفيف قيود الإغلاق في عدد قليل من القطاعات، مما سمح للصناعات بالعمل مجدداً في المناطق الخضراء، أو المناطق التي ليست بها حالات فيروس كورونا. وبعد بضعة أيام، سمحت الحكومة أيضاً بإعادة فتح المتاجر المحلية الصغيرة. وطوال فترة الإغلاق، التي بدأت في منتصف ليلة 24 مارس، سُمح فقط بفتح المتاجر التي تبيع المواد الغذائية الأساسية والصيدليات. والآن يُسمح بفتح كل المتاجر، باستثناء العلامات التجارية المتعددة والعلامات التجارية الفردية.
وقد قوبل الانفتاح التدريجي للاقتصاد بنتائج مختلطة، حيث لا تزال قواعد الإغلاق ساريةً بالنسبة لمعظم السكان. وفي حين تم السماح للمصانع في المناطق الخضراء بفتح أبوابها، لم تتمكن جميع المصانع من استئناف أنشطتها. ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب، بدءاً من بطء عملية الحصول على إذن من الإدارة المحلية، إلى المخاوف بشأن الحصول على المواد الخام، أو إرسال السلع تامة الصنع، عندما تكون سلسلة التوريد معطلة في الوقت الحالي، بصرف النظر عن تطهير وتعقيم مبانيها وفقاً للإرشادات الصادرة عن الحكومة.
وحتى بعد مرور أكثر من أسبوع على السماح لها بالفتح، بدأ عدد قليل جداً من الصناعات الأساسية استئناف أنشطته، الأمر الذي يوضح مدى الصعوبة التي تواجه استئناف الصناعات في المناخ الحالي. وذلك لأن الشركات لا تزال بحاجة إلى الحصول على تصريح للفتح من الإدارة المحلية، والتي لم تكن استباقية في جميع الأماكن. كما وجد أصحاب المصانع أن هناك قواعد أخرى صارمة للغاية.
تنص القواعد الحكومية لفتح المصانع على وجوب إيواء العمال وإطعامهم داخل مباني المصنع، وضمان عدم إصابة العمال، مما يضع المسؤولية على أصحاب المصانع. لكن ليس لدى كل أصحاب المصانع، خاصة الصغيرة والمتوسطة الحجم، الوسائل الضرورية لإسكان عمالها في المصنع وتزويدهم بالوجبات. ونتيجة لكل هذه المشاكل، حتى أولئك الذين حصلوا على تصريح يترددون في الفتح. فعلى سبيل المثال، حصلت شركة «ماروتي سوزوكي»، أكبر شركة لتصنيع السيارات في الهند، على تصريح لإعادة فتح مصنعها، لكن الشركة لم تستأنف الإنتاج بسبب تعطل سلسلة التوريد واستمرار إغلاق آلاتها الصغيرة الأخرى، ما يجعل المصانع خارج المنطقة الخضراء. ووفقاً لمسح أجراه اتحاد الصناعات الصغيرة، لا تزال حركة المدخلات والسلع تامة الصنع معطلةً حتى بعد تخفيف قيود الإغلاق.
لقد ظلت الهند في إغلاق لما يزيد على الشهر، مما أدى إلى توقف الاقتصاد. وفي هذا الأسبوع، خفّض صندوق النقد الدولي معدل الناتج المحلي الإجمالي للهند إلى 1.9% في العام المالي 2020-21، مقابل توقعات بأن يبلغ 5.8% في شهر يناير المقبل. كما تراجع الاستهلاك، الذي يعد المحرك الرئيسي للاقتصاد الهندي، مع تخفيض الرواتب وحالات التسريح في بعض القطاعات.
والتحدي المزدوج الذي يواجه ناريندرا مودي، هو احتواء الفيروس وفي الوقت نفسه استئناف النشاط الاقتصادي تدريجياً. ومع ذلك، فثمة مسألة أخرى ستؤثر على النمو الاقتصادي في الهند، وهي قضية العمال النازحين من القرى إلى المدن الكبرى، حيث شهدت الهند هجرة عكسية هائلة بعد الإعلان عن الإغلاق. وهناك عدد كبير من العمال ما زالوا عالقين بسبب إغلاق الحدود بين الولايات، وهم الآن يقيمون في منازل إيواء، أو في الطرقات، في انتظار العودة إلى منازلهم بعد رفع القيود.
ليس ثمة شك في أن العمال المهاجرين يعيشون حياة قاسية، لذا فبمجرد رفع الحظر، سيهرع عشرات الآلاف منهم إلى منازلهم. والطريقة الوحيدة لمنعهم هي فتح المزيد من القطاعات وربط العمال فيها بعقود عمل.
ومن المتوقع أن تكون التداعيات الاقتصادية قاسية، بشكل خاص، على الصناعات الصغيرة والمتوسطة. ومن المتوقع أن تواجه هذه الشركات مشاكل سيولة في المستقبل القريب، وربما تحتاج إلى بعض المساعدة من الحكومة لتخطي الأزمة الناجمة عن هذا الوباء.