يصادف اليوم الموعد الذي حددته «اللجنة العليا للأخوة الإنسانية» للدعاء من أجل الإنسانية، ومع إيماننا بأهمية الأخذ بالأسباب والبحث العلمي ومحاولة الاستطباب من داء كورونا الذي يهدد البشرية، إلا أن باب السماء لا بد أن يدق في مثل هذه النوازل، فربنا سبحانه قريب يحب أن يلجأ الناس إليه في السراء والضراء، فهو سبحانه رب العالمين، ويشمل ذلك من آمن به سبحانه والجاحد فضله ونعمائه، ومهما ادعى الناس استغناءهم عنه تفتح النوازل نوافذ عقولنا من جديد إلى مصدر القوة الحقيقية، إنه حال البشرية عندما تدرك حقيقة ضعفها، فلم تهدد بأمر كان في حسبانها لكنه مجرد فيروس لا يرى بالعين المجردة، وكان له أن قلب موازين الناس رأسا على عقب، فلم تعد الحياة كما كانت قبله، فقد تجاوزت أعداد المصابين به 4 ملايين شخص، ومات نتيجة هذا الفيروس الشرس أكثر من 280 ألف إنسان، أما الخسائر الاقتصادية فقد تجاوزت المليارات من الدولارات وتوابع الخسائر المباشرة مستمرة. كوكب الأرض يعيش سجناً لم نشهده من قبل، فقد قررت العقول أن الابتعاد عن الناس هو الحل الأمثل للتعامل مع هذه المحنة، وما أقساها من حياة أن تقول لمن تحب هذا فراق بيني وبينك وترفع راية «لا مساس» كي تكون هي شعارك في التعامل مع الناس، إنها البشرية عندما تقر بعجزها، وتعلم أن رحمة الله قريبة منها لكنها بحاجة للتضرع كي يرفع الله عنا البلاء.. إنها نعمة من الله تعالى أن تتذكر البشرية فضيلة الدعاء، وتتداعى الأمم قاطبة رافعة يدها إلى السماء إيماناً بأن رحمة الله سبقت غضبه، ويقينا بأن الرب سبحانه هو من يكشف البلاء.
(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ).
إنها وقفة من أجل الحياة، وتجمع من أجل النجاة من هذا البلاء الذي حصد الأرواح واستباح كل مكتسبات الحياة، هذه الفكرة نالت استحسان العالم، وتضامنت معها أطياف عدة، كيف لا والعالم كله بحاجة إلى نقل مفهوم التدين من العنف إلى السلام، فرصة ذهبية كي تقر البشرية بعجزها والعودة من جديد لبارئها، بيد أن نفراً من الناس غابت عن مدركاتهم الصورة الناصعة للتدين لأنهم تربوا على منهجية الظلام، جيّشوا أقلامهم للسخرية من هذه الفكرة ورفضها تحت مبررات فهمهم القاصر ونظرهم الذي به غشاوة، إنها العقول التي تؤمن بأن التدين يقتضي العداوة، وأن البشرية لا ينبغي أن تجمعها مصالحها المشتركة، فالأصل عندهم الاختلاف الذي يقود إلى الخلاف، رافضين راية للخير رُفعت، ونافذة للتعارف فُتحت، فكأنهم يستهينون بالدعاء الذي أمر به الله تعالى في السراء والضراء (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُون).
كوكب الأرض يمر بمنعطف تاريخي، لم نشهد مثله في حياتنا، لقد عانت البشرية من ويلات الحروب المدمرة، لكن مركز التأثير المباشر كان محدوداً ببقعة جغرافية، كما مرت علينا تحديات اقتصادية، لكنها أزمات لم تهدد حياة البشرية، رأينا في حياتنا الأعاصير الهادرة والزلازل المدمرة والبراكين الثائرة لكنها كانت نائية عنا، لأول مرة نعيش مع العالم أزمة لا تهدد بقعة جغرافية بعينها بل هي طامة عظمى أزهقت الأرواح واستنزفت مدخرات الأمم والشعوب، وتوابعها لن تتوقف بانتهائها بل إن البشرية مقبلة على أزمات سياسية واقتصادية وصحية متتابعة، إنها طامة كبرى تهدد الوجود، وتدعو كل متكبر للسجود، إقرارا منا بأن العالم بات عاجزا، فاللهم ارحم عبادك الواقفين ببابك يرجون رحمتك ويخافون عذابك وأنت رب العالمين، رب الناس أذهب البأس.
*أكاديمي إماراتي