تجولت، كغيري من الصحفيين، في وجدان لاعبي كرة القدم، أحاول أن أعثر على ما ترسب في أغوارهم من أحاسيس ومشاعر، بفعل الحجر الصحي الذي أخرجهم تحت الإكراه من مدنهم الجميلة، من معين السحر الذي يغرفون منه أوكسجينهم، فوجدت تقاسيم حزن على الأخاديد، وكومة خوف من المجهول، وارتماءات في حضن الذاكرة لاستعادة الصور القديمة، إلا أن ما وقعت عليه عيني، منشوراً في إحدى المجلات الفرنسية، مروياً على لسان لاعب فينزويلي، أحالني على فلسفة الاحتباس، وعلى ما يمكن أن ينطلق من فكر اللاعبين من شرارات موجبة للتأمل، في لحظة استثنائية وغير متوقعة.
يكتب اللاعب اللاتيني ما يمكن أن أسميه سرداً فلسفياً، فهو ينطلق من فكرة رمى بها أحدهم على روابط التواصل الاجتماعي، في صورة تدوينة خبيثة، حتى قبل أن تحل بنا جائحة كورونا، عندما قال: «في النهاية ألا يمكننا أن نعيش من دون كرة القدم؟». ذاك السؤال العميق بكل حمولاته السلبية، أجيب عنه وقد أوصدت الجائحة أبواب الملاعب، وأوقفت نبض المباريات، ورمت كل اللاعبين وصناع الفرجة في الزنازين الصحية، عندما ردد بعضهم بشفاه متشدقة: «هل عندكم شك أن هذا العالم يمكن أن يعيش من دون كرة القدم؟». وطبعاً من يرمون بهذه الجمرات هم من يعتقدون أن كرة القدم تفاهة ولا حاجة للناس بها. 
هذا اللاعب اللاتيني استفزه الخواء الفكري الذي انبنى عليه الاستنتاج، وقدم دليلاً على أن كرة القدم هي أكبر من رياضة، إنها تشكل في دولة مثل المكسيك 1.37 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن البطولة المكسيكية التي يلعب فيها، تؤمن ما لا يقل عن 200 ألف وظيفة، فكرة القدم قبل أن تكون عشق الملايين وأوكسجين الحياة لكل الأشقياء، هي الخبز والزاد للآلاف من الناس في المكسيك وللملايين حول العالم، فكل مباراة لكرة القدم هي عرض فني يقتات منه اللاعبون، والرعاة، والمستثمرون، والباعة المتجولون، وأصحاب الفنادق، وشركات النقل.. كرة القدم بهذا المعنى، وسيلة لإعادة الخبز إلى الوطن. 
ويستمر اللاعب في مرافعته الرائعة عن كرة القدم، فيكتب: «كرة القدم هي أيضاً المصدر الرئيس للترفيه في المجتمع المعاصر، فالآلاف من المباريات عبر العالم يحضرها ملايين الأشخاص كل أسبوع، ويشاهدها مئات الملايين غيرهم من أرائك غرفهم. بالنسبة لكل هؤلاء، المباريات هي فرصة للاستمتاع.. للتحرر للحظة من الضغط الناجم عن الهموم اليومية، ولم الشمل مع الأصدقاء والعائلة. إن هذا الترفيه الذي تخلقه كرة القدم، هو ما يوحد الناس برغم اختلاف مذاهبهم وأذواقهم وموروثهم، ليس هناك نشاط آخر غير كرة القدم يوحد بين الناس». بعد كل هذا، هل نتصور عالمنا من دون كرة القدم؟