يُعد مسلسل «أم هارون» الذي يُعرض هذه الأيام، أول عمل تلفزيوني يصوّر أهل «فريج» واحدٍ من المسلمين والمسيحيين واليهود في حقبة الأربعينيات، يعيشون في جو عائلي تسود فيه روح الأخوة الإنسانية. وما يلفت النظر في هذا المسلسل، أو المأمول منه، هو تجسير الهوة المفتعلة بين أهل الديانات المختلفة، وتصحيح الصورة المغلوطة عن اليهود في نظر الخليجيين بالذات، فرغم أن المسلسل لم يخرج عن النظرة التقليدية لليهود من حيث بعض الطبائع التي وُصموا بها، فإننا لأول مرة نرى خليجيين يتزيّون بالزي اليهودي، ويتحدثون العبرية، ويعبدون الله بالطقوس اليهودية. وأخص أثر المسلسل على أهل الخليج، رغم تسامحهم مع أتباع الديانات الأخرى،  لأنهم أقل الشعوب الإسلامية من حيث التنوّع الديني، إذ نسبة غير المسلمين فيهم تكاد لا تذكر، وهم بهذا الاعتبار أكثر الشعوب حاجة إلى فهم الآخر من خلال أعمال فنية «منهم وفيهم».
والأمر الآخر أن بعض  الخليجيين، وبقية العرب على أي حال، وقعوا لعقود طويلة تحت ضغط معاداة اليهود، تعليمياً وإعلامياً وتلفزيونياً وأدبياً ومنبرياً، سواء من قبل القوميين أو الإسلاميين، حيث فضّل المؤدلجون شحن الناس قومياً ودينياً ضد اليهود، اعتقاداً منهم أنه الوسيلة المثلى لنصرة القضية الفلسطينية.
والأمر الثالث أنّ العداء العربي لإسرائيل كدولة، وهو موقف مفهوم تجاه الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، اختلط تلقائياً بالعداء لليهودية كدين، حيث وقعنا في مشكلة التمييز بين صراع سياسي لأجل فلسطين والفلسطينيين، وعدم الوقوع في العنصرية حيال اليهود، كما يقول الكاتب حازم صاغية، بحيث صار من المهم الحدّ من هذا الخلط بالأعمال الفنية وغيرها.
كما أنّ تعاطي السياسيين العرب، مع استثناءات نادرة جداً، كما يقول صاغية، «ضاعف التشوّه المقيم في النظرة العربية والمسلمة إلى اليهود»، كنوع من الرغبة لدى بعض القادة العرب «في تحوّل الأنظار عن المسائل الملحّة لبلدانهم»، إلى التركيز اللفظي على اليهود و«مؤامراتهم».
هذا فضلاً عن التراث الديني الذي يحفل بالعداوة لليهود ولغير المسلمين بشكل عام، وهو موقف كان له ما يبرّره في زمنه، ولا مبرّر له اليوم بعد أن لم يعد العالم مقسَّماً على أساس ديني. ناهيكم عن بعض المغالاة في العداوة نتيجة الهوى والتعصّب.
ورغم أن المسلسل لا يدعي لنفسه القيام بأي دور، ولا يفرش سجادة التطبيع مع الإسرائيليين، كما ادعى بعضهم، إذ لا شيء من ذلك حدث فيما عُرض من حلقاته حتى الآن، وأميل إلى رأي الأستاذ عبدالرحمن الراشد الذي رأى أن السر وراء إنتاج هذا المسلسل هو أن لكل موسم «ترند» معيناً، فإن المسلسل، رغم كل شيء، يمثل فاتحة خير لعلاقة أفضل بين أهل الأديان، خصوصاً بين المسلمين واليهود، وتنقية الأجواء الدينية وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل تلوثها بالأيدولوجيا، بما يصب في صالح فكرة التسامح الديني واختلاف الدروب الذي يوصل إلى المقصود الواحد.
«أم هارون» أول عمل تلفزيوني خليجي يُشْعِر المشاهد بأن اليهودي إنسان مثل بقية خلق الله، لا يملك عيناً واحدة في منتصف وجهه، ولا يسيل الدم من بين أسنانه، ولا يحمل خنجراً يطعن به من وراء الظهر، كما تم تصويره في المخيلة العربية طويلاً. ‏ ‭