بعض البشر، يأتون إليك مثل الجدول، يبللون فيك الروح، لتنتشر أوراقك، كشجرة تنعمت برخاء العذوبة، هؤلاء يثرونك، ويطوونك بشرشف الفرح، يطوقونك بسحابة الترف، ويغدقونك عليك الشفافية، لتبدو أنت حلماً في ذات ليلة ليلكية، تبدو أنت، موجة تغسل قميص فرحها عند سواحل مضاءة بالنجوم، منقشة بمنمنمات أزهى من وميض البريق، في ليلة ربيعية.
هؤلاء يجعلونك تستدعي «رسالة الغفران» لأبي العلاء المعري، و«الكوميديا الإلهية» لدانتي، يجعلونك تسهر مع غاندي، وتلفظ الكراهية، وتمقت الاحتقان.
هؤلاء يزرعون في حقلك زهرات الرمان، وسنابل عشب خرافية، تزهيك، وتزهرك، وتفيض بك انشراحاً، هؤلاء هم الذين تحتاجهم في الزمان، والمكان، لتؤثث قلبك بالمخمل، وتفرش على سرير وقتك شرشف الحرير.
هؤلاء يدعونك تمضي في الحياة مثل النهر، تنظف أجنحة الطير، بمكنسة الماء الزلال، هؤلاء يأخذونك إلى عالم الأبدية، بروح أشبه بجناح الطير، هؤلاء يجعلونك، كاهناً تشرق في عينيه، ملذات العفوية، ونخوة الأنا المتدفقة بياضاً، ورياضاً، وحظاً وارفاً، مخففاً من عواهن الدهر، متخففاً من شوارد الكدر.
هؤلاء يفيضون بك، وتفيض بهم، يذهبون بك إلى جبل الطور، حيث جلس عمر بن الفارض، وقرض القصيد، عفياً، شفياً، من شوائب الزمن، وخرائبه.
بعض البشر، يمرون بك، ويعبرون محيطك، وكأنهم النسمة، وكأنهم البسمة في أنعم حالاتها، وكأنهم الزعانف في أجمل ظروفها.
هؤلاء يسكنون في الوعي آية تتلوها أنت بمشاعر الانتماء والولاء، لوجود رتّب مفاصله، وهذّب فواصله، وصرت أنت في المعنى جملة معرفية، لها في المبتدأ اسم العلم، ولها في الخبر فعل يمشط الجدائل، بأنامل القناعة بأنه لا وجود من دون أنهار وجدانية، تغسل السواحل والضفاف، وتشذب الأغصان والأشجان، وتمنع عن العيون السغب، وترفع عن القلوب شدة الغضب.
هؤلاء هم الذين يطورون فيك الوعي، ويوسعون الفكرة، لكي تصبح نجوداً خضراء، وتصير أنت أكثر الأشجار سموقاً، وبسوقاً، تصير أنت عش الطير والغصن الذي يرفع هامة الوردة، وينشر عطرها الخلاب في النواصي، والقارعات، تصير أنت البرهة الفارهة، ولحظة الدهشة الملونة بالفرح، تصير أنت رمش العيون، وبريق الومضة، لأول غمضة، تصير أنت كلمة الله في سر الكائنات.
هؤلاء هم الذين يجعلون الحياة تحدّق فيك بعيون، لا فيها سغب، ولا تعب، عيون كحلها من أثمد الخصب، هؤلاء يجعلون الحياة، غافة، يؤمها الطير، ولهاناً لعطر ودفء.