يظل شرف الانتماء للجيش الوطني الاتحادي مصدر فخر أسترجع من خلاله ذكريات خدمتي الوطنية بكل معاني الولاء والانتماء، والتي لم أنسَ تفاصيلها على الرغم من المهام التي أوكلت إليّ لاحقاً، والمسؤوليات المتعددة التي أنجزتها، والمواقع التي شغلتها خارج المجال، فأنا فخور بما كنت عليه كجندي، وما أزال رهن إشارة وطني لأعود إلى صفوف القوات المسلحة في أي ظرف، وذلك إيماناً مني بدورها المهم في الحفاظ على دولة الاتحاد.
مناسبة مقدمتي تلك هي الذكرى الـ 44 لتوحيد القوات المسلحة في السادس من مايو عام 1976، وهو ما شكل نقطة تحول تاريخية في مسيرة الإمارات، ويعتبر من الأمور المفصلية التي ساهمت في ترسيخ أركان الاتحاد وتوطيد دعائمه لتكون قواتنا صمام أمان وخط دفاع أول في مواجهة المخاطر.
رؤية الوالد زايد وإخوانه المؤسسين - طيب الله ثراهم - بتوحيد صفوف القوات المسلحة بعد الاتحاد أكدت أهمية بناء جيش موحد ومؤهل تحت قيادة مركزية واحدة وشعار واحد وعلم واحد، همه الحفاظ على أرض الوطن والذود عنه وحماية إنجازاته ومؤسساته. واليوم إذ تحيي الإمارات ذكرى تأسيس تلك القوات بما تملك من خبرات وإمكانات، فإنما للتأكيد على حرص القادة على أهمية إعداد العنصر البشري وتأهيله وتدريبه كما ينبغي وبما يسهم في الارتقاء بقدراته وجاهزيته في كل الظروف والمواقف، وخصوصاً تلك المرتبطة بالحفاظ على حياة الناس اليومية، وبالتالي من حقنا كإماراتيين الاعتزاز والفخر بجيشنا الوطني الذي يعتبر من أسباب قوة الدولة داخلياً وخارجياً، وخاصة فيما يتعلق بالأمن الاجتماعي وتحقيق الاستقرار إقليمياً ودولياً بما يسهم في تحقيق التنمية والرفاهية لشعوب العالم.
من هذا المنطلق شاركت قواتنا في صفوف قوات «التحالف العربي» في اليمن كتجسيد صريح لعقيدة دولتنا الإمارات، وغيرها من المهام التي تسجل لها من خلال المهام التي نفذوها في دول مختلفة، وهنا لا يمكنني إغفال الجانب الإنساني في تلك المهام، والتي تستهدف الحفاظ على أمن الناس واستقرارهم. وقد أثبت رجالنا بشجاعتهم وإخلاصهم أن الإمارات هي سند وعون للدول الشقيقة والصديقة، وهم الذين ضربوا أمثلة عظيمة في معنى الإنسانية وقيمها، فساعدوا ملايين الأسر وأغاثوها وعملوا على بناء وتطوير مشاريع مهمة في عدة دول.
لكل ذلك وسواه يعكس اهتمام الإمارات قيادة وشعباً بالاحتفال في هذه الذكرى وبغيرها من الذكريات المرتبطة بصقورنا المخلصين بعد أداء مهاهم، ولهذا حينما نحتفل جميعنا بجناحنا الذي يحمي وطننا وأراضينا وشعبنا فهو حق لنا وواجب علينا، خصوصاً إذا علمنا كم يسهم أبناء القوات المسلحة - باعتبارها مؤسسة وطنية - في استقرار وبناء مجتمعنا قبل كل شيء، كما هم الآن، حيث يقومون بدور استثنائي وعمل جبار في مساندة بقية مؤسسات الدولة لمواجهة كورونا انطلاقاً من مسؤوليتهم المجتمعية، ومدى استجابتهم وجاهزيتهم في التعامل مع أزمة صحية أرخت بظلالها على مختلف مناحي الحياة.
مواقف كثيرة تؤثر في النفس وأنا أرى أبناء قواتنا العسكرية يضعون خبرتهم في خدمة المجتمع الإماراتي بكل مكوناته، ولعل أكثر الصور التي أثارت في نفسي الفخر بهم في هذه الأيام، عندما يؤدي جنودنا التحية للأطباء باعتبارهم أحد أبرز مشكّلي خط الدفاع الأول عن صحة الناس وسلامتهم. موقف نبيل وعظيم، تدمع له العين كرامة وعزة وفخراً. تحية عظيمة لهؤلاء الرجال الأوفياء الذين يؤدون الأمانة على أكمل وجه وبأبدع صورة.