أعلنت ألمانيا في 29 من أبريل الماضي عن منع جميع أنشطة «حزب الله» اللبناني في البلاد، كما صنّفته بوصفه «منظمة إرهابية». وكان البرلمان الألماني قد طلب في ديسمبر الماضي من الحكومة الاتحادية الألمانية فرض حظر شامل على «الحزب» والسعي لدى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لاتخاذ إجراءات مماثلة. وكانت الحكومة الألمانية، منذ سبتمبر الماضي، قد شددت الرقابة على أنشطة الحزب، ومنحت الادعاء العام الاتحادي الألماني تفويضاً لملاحقة أعضائه جنائياً. لكن لماذا تأخر القرار الألماني؟ وما هي تبعاته المحتملة على علاقات برلين مع كل من طهران وبيروت؟
في يوليو 2013 صنّف الاتحادُ الأوروبي رسمياً الجناح العسكري لـ«حزب الله» كمنظمة إرهابية. وكانت أوروبا حتى ذلك الوقت مترددةً في تحميل «حزب الله» مسؤوليةَ أفعاله، بسبب وضعه السياسي داخل النظام السياسي اللبناني، ذي التوازن الحساس. إلا أن تتابع الشواهد والأدلة على أنشطة الحزب فوق الأراضي الأوروبية، جعل من المستحيل تجنب مواجهة «حزب الله» بعد أن تزايد نشاطُه داخل «القارة العجوز». وحسب تحقيقات الحكومة الأميركية التي تصنّف «حزب الله» منظمةً إرهابيةً، يدير عملاء «الحزب» أنشطة وعمليات إجرامية كبيرة وشديدة التعقيد، وهي أنشطةٌ وعملياتٌ قللت طوال السنين الماضية قدرةَ الدول الغربية على تقويضها. ففي أوروبا يستغل «حزب الله» الفرص المتاحة عبر الحدود للاتجار بالأسلحة والأموال النقدية والمخدرات. وقد كشفت التحقيقات الأميركية النقاب عن شبكة إجرامية عالمية ذات وجود رئيسي في أوروبا، تابعة لـ«الحزب»، تشتمل أنشطتها على غسل الأموال، وشراء الأسلحة المتطورة عن طريق السوق السوداء. وقد حدد تقرير لهيئة الشرطة الأوروبية «يوروبول»، عنوانه «تقييم تهديد الجريمة الخطيرة والمنظمة» (لعام 2013)، العديد من «العناصر المساعدة على الجريمة»، شملت «النقاط الساخنة اللوجستية، ومجتمعات المهاجرين، والفساد، واستخدام الهياكل التجارية القانونية، والفرص العابرة للحدود، وانتحال الشخصية، وتزوير المستندات، والعنف». ويستغل «حزب الله» جميع هذه العناصر والنقاط، ليس فقط في أوروبا، بل وفي العالم أجمع.
لقد اتخذت دول الاتحاد الأوروبي، آنذاك، خطوة هامة لبدء مكافحة أنشطة «حزب الله» من خلال تصنيف جناحه العسكري. لكن اقتصادر التصنيف على «الجناح العسكري» للحزب قلل من قدرة الاتحاد الأوروبي على مصادرة أية أموال لـ«الحزب» بموجب نظام مصادرة أصول الجماعات الإرهابية الذي يطبّقه الاتحاد، فحسابات «حزب الله» في أوروبا غير مرتبطة صراحة بجناحه العسكري، وبذلك ظلت محمية من المصادرة، وظل «الحزب» طوال سنوات يحصل على الأموال في أوروبا تحت مظلة الأنشطة السياسية والاجتماعية. وبذلك ظلت الأنشطة الإجرامية والإرهابية لـ«الحزب» بمستويات مرتفعة في أوروبا، من دون إجراءات حازمة ومنسقة لوقفها، حتى اتخذت عدد من الدول الأروبية، مثل هولندا وبريطانيا، قرارات منفردةً بحظر أنشطة «حزب الله» بشكل كامل على أراضيها.
وكانت إيران أول من هاجم القرار الألماني، مستبقةً حتى لبنان، في إشارة واضحة إلى مدى قلق طهران إزاء القرار، إلا أن سياسة طهران براغماتية جداً، وتشكل ألمانيا طرفاً مهماً بالنسبة لها على المستوى السياسي والاقتصادي، لذلك لن تعمل على استعدائها. بيد أن التخوف الأساسي لـ«الحزب» ولإيران أن تتبع القرار الألماني قرارات مماثلة من دول أوروبية أخرى. فألمانيا كانت مدركة لأنشطة «حزب الله» لديها، وقد اتخذت عبر السنوات خطوات صغيرة لاحتواء هذه الأنشطة، وظلت تُوازِن بين فوائد المنع ومساوئه، وصولاً لقرار الحظر التام لـ«الحزب».