صنّفت ألمانيا «حزب الله» اللبناني إرهابياً، واقتنعت أخيراً أن ادعاء البعض أن للحزب جهازين مستقلين تماماً، جهاز سياسي وجهاز عسكري، ما هو إلا أكذوبة كبرى.
منذ القديم وعلى فترات متباعدة وفيما يشبه السياسة الثابتة في ألمانيا، فقد كان قرارها واضحاً بدعم جماعات الإسلام السياسي منذ وصول سعيد رمضان إليها في الخمسينيات وحتى اليوم. لم تستطع ألمانيا بقوانينها المعقدة، وطبيعة علائق السلطة داخلها، إيجاد أي مخرج لمواجهة خطر تزايد الجماعات الإرهابية من «القاعدة» و«داعش» و«حزب الله» ونحوها في داخل ألمانيا، وهي قنبلة لم تنفجر بشكلٍ جنوني بعد، ولكنها للأسف ذاهبة بهذا الاتجاه.
قبل عامين، تقريباً، تلقيت دعوة كريمة من مركز هداية لمحاربة التطرف في أبوظبي لندوةٍ حول التطرف في العاصمة الألمانية برلين، حضر الندوة بعض الوزراء والمثقفين والمبدعين من ألمانيا ومن العالم العربي والإسلامي، وطرحت فيها أوراق مهمة ومداخلات متميزة، وقد تحدث كاتب هذه السطور هناك، عن مشكلة ألمانيا القديمة مع الأصولية الإسلاموية لجماعة «الإخوان» ولكل جماعات الإسلام السياسي بعدها، ومن بعد للجماعات الأصولية الشيعية قبل وبعد ثورة الخميني على الشاه.
واضح أن الحديث عن اختراق الدولة الألمانية من قبل الجماعات الأصولية الإسلاموية، لم يرق لأي من المسؤولين الألمان، سواء من بعض الوزراء في الدولة، أم من المشاركين في إعداد الندوة، ولكنه كلام كان يجب أن يقال وأن يدخل في الجدل الدائر حينذاك، والذي كان يدور على المشكلة، دون أن يلامس جوهرها، لحساسيات ألمانية عجيبة تجاه هذا الموضوع المركزي في حاضر العالم ومستقبله.
سبق لألمانيا اتخاذ خطواتٍ ضد الإرهاب وجماعاته، لكنها كانت دائماً حذرةً جداً وتأتي متأخرةً في أي مواجهة تكون جماعات الإسلام السياسي طرفاً فيها، ومن هنا يأتي السؤال المهم وهو: هل هذه الخطوة الألمانية تعني نهجاً جديداً في التعامل مع هذه الجماعات أم لا؟
من الصعب الزعم أن ألمانيا وموقفها التاريخي القديم تجاه دعم جماعات الإسلام السياسي قد يغيره قرار واحد جاء متأخراً جداً، بعدما لم يترك «حزب الله» وعمالته لإيران وإرهابه المنتشر حول العالم مجالاً لبرلين لتغطي عليه أو تسكت تجاهه، وبالتالي فهذا قرارٌ بالاتجاه الصحيح، وهو سيكون مؤثراً نوعاً ما ولكنه ليس قراراً بتحويل الاستراتيجية الألمانية في هذا الملف.
لا يمكن لأحد نسيان أن بعض أهم قيادات الجريمة الإرهابية النكراء، التي خطط لها ونفذها تنظيم «القاعدة» في الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، قد عملوا وخططوا وانطلقوا من ألمانيا دون غيرها من دول العالم ومن دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما أشار بوضوح لداء ألمانيا القديم في التعامل مع جماعات الإسلام السياسي.
الأقليات المسلمة في ألمانيا ملفٌ شائك قديمٌ، وقد بدأ أردوغان الرئيس التركي «الإخواني» منذ سنواتٍ في توظيف الأقلية التركية هناك، والتي تقدر بالملايين لمهاجمة السياسات الألمانية، وقد عملت جماعة «الإخوان» منذ القديم في ألمانيا كما تقدم أعلاه ولم تزل، وألمانيا هي إحدى الدول التي يعتمد عليها حزب الله في عملياته الإرهابية وعمليات غسيل الأموال.
طارئ جديد له دورٌ في القرار الألماني الجديد، وهو هجرة السوريين الكثيفة في السنوات الأخيرة إلى أوروبا وإصرار ألمانيا على استقبالهم بكل أعدادهم الكبيرة وهم أقليةٌ جديدةٌ في طور التشكل، وهم فروا تفتيشاً عن حياة كريمة، ولكنهم وقعوا في براثن تلك الجماعات المنظمة التي تستقبلهم وتجندهم لمصالحها الخاصة.
أخيراً، فكل تصنيف لجماعات الإسلام السياسي، سنيةً كانت أم شيعية، هو خطوة صحيحة باتجاه الهدف، وتصنيف «حزب الله» من قبل ألمانيا إرهابياً خطوة مرحبٌ بها.