هناك عشرات السيناريوهات المطروحة على السوريين أو المتداولة بينهم للخروج من عنق الزجاجة وقد بات خانقاً، وقد دخلت المأساة السورية المروعة عامها العاشر، وهي اليوم من أخطر القضايا على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهي الداء الذي أصاب المنطقة، ولم يتم علاجه رغم وجود الدواء الناجع في صيدلية مجلس الأمن عبر وصفة برقم 2254، لكن لا توجد إرادة دولية جادة لإنهاء هذه المأساة التي باتت عبئاً مباشراً على دول الجوار التي اكتظت بملايين السوريين النازحين، وعبئاً على المتدخلين عسكرياً، والذين حشدوا إمكانات عسكرية ضخمة واكبها نزيف في الدم والمال، وتبعات ردم الدمار وإعادة الإعمار. وحسْب هذه الدول ما تعانيه في داخلها من مشكلات مستعصية، فإيران التي يعاني شعبها قسوة الحياة، وفيضاً من تبعات الحصار والعقوبات، تخوض حروبها التوسعية، وتمد أذرعها في عدد من الدول العربية والإسلامية، وترفع راية نشر مذهبها الديني لتخفي خلفه حلمها الإمبراطوري، في وقت يحتاج فيه شعبها لتلبية أدنى مطالبه المعيشية. أما روسيا التي خاضت حرباً واسعة هناك في دفاعها عن قناعتها بشرعية نظام الحكم في سوريا، فهي اليوم تدرك أن ما كانت تريده من إعلان نصر نهائي لم يعد ممكناً، لاسيما بعد إخفاق مشروع المصالحات القسرية ونموذجه الراهن في حوران، حيث يستمر الاضطراب اليومي، وكذلك الأمر في إخفاق كل من «أستانة» و«سوتشي»، رغم أن الولايات المتحدة منحتها فرصة واسعة لتنفيذ مشروعها في خفض التصعيد وفي تحقيق المصالحات، لكن النتيجة كانت دموية حين ارتفعت وتيرة التصعيد وزادت أعداد الرافضين للمصالحات الذين نزحوا إلى الشمال وكثير منهم من يعيشون من دون أي شروط إنسانية، فضلاً عن حالة الخوف والترقب من خطر خرق الهدنة، ومن توقف الهيئات الإغائية عن تقديم الدعم، وكثير من المهجرين يحلمون باللجوء إلى أوروبا. وقد جاء وباء كورونا ليزيد معاناتهم قسوة، حيث لا توجد استعدادات ولا مرافق صحية لمواجهة الوباء، وقد أغلقت في مناطق الاستقرار النسبي المدارس والجامعات، وتوقفت العملية التعليمية على صغر حدودها، فليست هناك إمكانات تقنية للتعليم عن بُعد، ولم نجد استجابة رغم نداءاتنا لدعم بعض الجامعات في توفير شروط هذا الحل الذي لجأت إليه كل دول العالم.
والسوريون الحائرون يترقبون أدنى التصريحات السياسية والأخبار، ويتداولونها في وسائل الاتصال، وفي كل يوم يواجهون مشروعاً لتوحيد جهودهم ولم شملهم. ومن يتابع نشاطهم في غرف الواتس سيدهشه عدد المشاريع، وبعضها وهمي تتلاعب به قوى الداخل والخارج، بل إن تغريدة حالمة على تويتر تحمل اسم طامح لقيادة سوريا المستقبل تجد من الأصداء ما يكاد يجعلها حقيقة، ثم تتلاشى كفقاعة لتحل محها تغريدة أخرى أو تصريح لمسؤول دولي كبير يتداوله الناشطون ويبنون عليه توقعاتهم ويشبعونه درساً وتحليلاً، وهذا نتاج الفراغ السياسي، والبطء الدولي في معالجة القضية التي شاغب عليها فيروس كورونا الذي سرق الاهتمام، وبات الجميع يترقبون نهاية كورونا كي يلتفت المجتمع الدولي لمتابعة تطورات الفواجع السورية، لاسيما في ظل مزيد من الصعوبات الاقتصادية التي بات يعاني منها السوريون المؤيدون أكثر من معاناة المعارضين في الخارج رغم ما يعصف بهم من تشتت وضياع.
ومن المتوقع أن يزداد حجم المعاناة إذا بدأت الولايات المتحدة تنفيذ قانون «سيزر» الشهر القادم، حيث لن تتمكن إيران من سد الاحتياجات، ولن تستطيع روسيا متابعة الإنفاق الذي سيكون مجانياً، ما سيضطر الحكومة السورية لجمع الأموال من رجال الأعمال.
وأتوقع أن تبدل روسيا مواقفها، وأن تتخلص من عبء صمتها على التوغل الإيراني الذي يكرهه الشعب السوري عامة، ويجد فيه خطراً أكبر من بقية أخطار النفوذ الدولي المتشعب في سوريا، لأن إيران تسعى لمحو الهوية العربية والمذهبية في سوريا لنشر عقيدتها، بينما يكتفي الآخرون بالنفوذ العسكري والاقتصادي، وهذا ما تمكن معالجته سريعاً، حين يبدي العالم جدية في تنفيذ قرارات مجلس الأمن.