عندما يمر العالم بأزمات، مثل ما نمر به اليوم، عادةً ما تكون القرارات مركزية تشمل كل المدن في الدولة، وقد شاهدنا ذلك حتى في الدول الأوروبية، مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا، عندما شملت القرارات إغلاق متاجر التجزئة والمحلات التجارية والمطاعم وصالات الألعاب الرياضية، وبالرغم أن القرارات من هذا النوع لها مزاياها، لكن لديها مساوئها من ناحية البطء في التنفيذ وعدم الفعالية، لأنه لم يؤخذ في الحسبان اختلاف الظروف والمعطيات لكل مدينة، وهذا ما تختلف عنه الدول ذات الأنظمة الفيدرالية مثل دولة الإمارات، التي تسهل إدارة الدولة للأزمات.
إن ميزة النظام الاتحادي الفيدرالي في دولة الإمارات، أن كل إمارة تنفذ استراتيجية النظام الاتحادي للدولة، مع ترك هامش لكل إمارة لتتخذ الإجراءات الإضافية التي تراها مناسبة، وغالباً ما نجد قيادة الدول اللامركزية تعمل بشكل أفضل، ويتضح ذلك جلياً في أوقات الأزمات، بعكس الإجراءات المفروضة من سلطة مركزية، تعامل كل المدن على حد سواء، بغض النظر عن اختلاف طبيعة وظروف كل مدينة.
لقد ذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في إحدى تغريداته على تويتر: «لا توجد أزمة طاقة.. ولا أزمة تعليم.. ولا أزمة صحة في منطقتنا العربية، لدينا أزمة إدارة... نحن أمة تملك موارد عظيمة.. وتضم كفاءات عظيمة... ولكننا نفتقد من يدير الموارد والكفاءات لصناعة أمة عظيمة»، فما تتميز به دولة الإمارات عن غيرها هي الإدارة الجيدة، وأهم منطلق لهذه الإدارة في نظامها الفيدرالي اللامركزي، والذي بدوره يسرع تنفيذ القرارات.
نجد في النظام الفيدرالي اللامركزي، وفي أوقات الأزمات تحديداً، فرض التدابير اللازمة تختلف من إمارة إلى أخرى وفرض التكاليف، تتوزع بناء على الإمارة التي تكون فيها الأزمة أكثر خطورة، بدل فرض التكاليف بالتساوي، في مناطق يكون فيها متوسط المخاطر منخفضا إجمالياً، وهذا ما وجدناه في الإمارات في أزمة كورونا، فإجراءات الحظر في دبي مثلاً كانت تختلف عن أبوظبي، بسبب اختلاف الكثافة السكانية، ونوعية التوزيع الديموغرافي، وبناء على ذلك اتخذت القرارات.
كما أن اللامركزية في القيادة تساعد على اتخاذ القرارات الصائبة في اختيار الكوادر المناسبة للقيادة، وهذا ما ذكره صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في ثاني المحاضرات الرمضانية لمجلس سموّه «عن بُعد»، عندما قال: «أشكر أخي وصديقي وتاج رأسي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، على موهبته وقدرته على اختيار الكوادر المميزة لقيادة الدولة، والنهوض بها إلى مستوى مشرف»، وأضاف سموه: أن «ما وصلت إليه الدولة، يؤكد على حسن اختيار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد للكوادر الوطنية بنسبة 100%، فالجميع قام بدوره كفريق واحد خلال هذه الفترة الصعبة».
إن النظام الفيدرالي اللامركزي في الإمارات، هو أحد أهم أسباب دينامية الإدارة الحكومية وفاعليتها، وهذا ما مكّنها من إدارة الأزمة بكفاءة، واتخاذ القرارات اللازمة بشكل عاجل، ودون إبطاء، مع ضمان التنفيذ السريع في محاصرة الوباء، من تفعيل أنظمة الإنذار المبكر، وتجهيز الفرق والأجهزة الطبية، وتعزيز الأمن الغذائي، وغير ذلك.

*باحثة سعودية في الإعلام السياسي