فرضت الظروف الاستثنائية التي خلفتها جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) معطيات جديدة كانت لها تأثيراتها العميقة في المجالات كافة، ومنها العملية التعليمية، حيث تم اللجوء إلى نظام التعليم عن بعد عوضاً عن انتظام الطلاب في المدارس والجامعات، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول التي بادرت إلى تطبيق هذا النظام، بعد أن علقت حضور الطلاب في مؤسساتهم التعليمية حفاظاً على صحتهم، حيث التحق بمنظومة التعليم الافتراضي أكثر من 1.2 مليون طالب وطالبة من مختلف المدارس والجامعات في الدولة.
وتؤكد مؤشرات كثيرة أن تجربة التعليم عن بعد التي طبّقتها حكومة الإمارات في كل المدارس والجامعات كانت ناجحة إلى حد كبير، بسبب عوامل أساسية عدة، تأتي في مقدمتها البنية التحتية الرقمية القوية التي نمتلكها والتي ساعدت على استمرار التعليم بشكله الجديد، فيما تأثر أكثر من 776 مليون طالب في العالم بسبب الجائحة، فضلاً عما تمتلكه الدولة من خبرات مهمة في هذا المجال، ذلك أن تجربة الإمارات في التعليم عن بعد ليست وليدة اليوم، بل بدأت عملياً منذ تسعينيات القرن الماضي، حين كان يتم تدريس الطلبة في المناطق الغربية.
بيد أنه وعلى الرغم مما حققته تجربة التعليم عن بعد من نجاح في دولة الإمارات، فإن تقييم هذه التجربة يعد أمراً ضرورياً للغاية، فعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها العمل بنظام التعليم عن بعد في الدولة، كما سبقت الإشارة، إلا أنها بالتأكيد تعد المرة الأولى التي يطبق فيها هذا النظام على كل الطلاب في المراحل التعليمية كافة، وهو ما يتيح فرصة كاملة للوقوف على ما قد يكون اعترى هذه التجربة من أوجه قصور، يجب العمل على تلافيها.
وقد أحسنت وزارة التربية والتعليم حين أعلنت أنها ستقوم بعملية تقييم شامل لتطبيق منظومة «التعليم عن بُعد» لجميع المدارس الحكومية والخاصة على مستوى الدولة، خلال شهري مايو ويونيو، بناء على توصيات مجلس التعليم والموارد البشرية. ولا شك في أن هذه الخطوة تأتي في إطار الجهود التربوية الرامية إلى متابعة أداء المدارس، والتأكد من مدى فعالية تطبيقها لخطط «التعليم عن بُعد». وتشتمل معايير التقييم على 3 محاور رئيسية، تركز على عمليات التعليم والتعلم، والتنشئة الإيجابية للطلبة، ودور المدرسة وقيادة المدرسة في إدارة عمليات «التعليم عن بُعد» ومصادرها، لضمان حصول الطلبة على فرص تعليمية مفيدة ومناسبة، ما يعني شمول عملية التقييم. وسيتم تطبيق هذا التقييم من خلال التنسيق مع جميع الجهات التعليمية في الدولة عبر استخدام المنصات الإلكترونية المتاحة. ووفقاً لهذا التقييم ستصنّف المدارس حسب فعالية تطبيقها للتعلم عن بُعد، ومدى استفادة الطلبة، وجاهزية المعلمين، كما سيتم أخذ آراء أولياء الأمور في الاعتبار خلال التقييم، وستعمل جميع الجهات على التواصل مع المدارس وإرسال المعايير، وعقد لقاءات للتوعية والتأكد من استعدادهم للتقييم.
والحاصل أن تقييم تجربة نظام التعليم عن بعد، بعد تطبيقها على هذا النطاق الواسع والعمل بها لفترة زمنية، سوف يصب في سبيل الارتقاء بجودة منظومة «التعليم عن بُعد»، والتحسين المستمر في معاييرها وأدواتها وقدرة المدارس على الاستجابة السريعة والتعامل معها بأفضل صورة، يشكل استثماراً حقيقياً مستداماً ومهماً في التعليم، وهو ما يعد أولوية أساسية في أجندة العمل الوطني لدولة الإمارات. وهذا التقييم سيسهم، كما يؤكد قادة العملية التربوية، في التعريف ووضع صناع القرار التربوي يدهم على مكامن القوة ونقاط الضعف، وبالتالي العمل على التحسين في المستقبل، لضمان كفاءة هذه المنظومة واستدامة التعلم. ويتميز التقييم بأنه صُمِّم وفقاً للمقارنات والممارسات التعليمية الدولية التي ركزت على استدامة التعليم في وقت الأزمات، والتخطيط المستقبلي والاستراتيجي، ويتمثل العنصر الأخير في دعم الصحة النفسية للطلاب والأسر والمعلمين، وضمان السلامة والشعور بالاستمرارية. 
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.