أنا على ثقة من أنه بعد الجائحة، سوف تسيح مياه جديدة على صعيد الحياة الاجتماعية كما أنه سيتم تحول كبير على صعيد العلاقات الدولية، وسوف يشهد العالم رؤية جديدة في مجال الفكر بشكل عام.
اليوم ونحن في حومة الوغى، ومخالب الوباء تنغرس في اللحم البشري، نشهد معارك ضارية تدور رحاها في البيوت، وقد تغيرت سحنة الوجوه النسائية من حمراء، وصفراء، وملونات مختلفة إلى اللون الرمادي الرطب، والبشرة ذات الصبيب من العرق، جرّاء ما يحدث من تجارب فنية في المطابخ، بغية الفوز بلقمة نظيفة من أيد ندية، صافية، لا تشوبها شائبة جلد معروق، وشائه، يقدم لك الطعام عن بؤس خاطر.
اليوم نجد القدرات الفائقة، لذوات القلوب الرقيقة، تفوق الخيال، وتدحض كل تصوراتنا السابقة، والتي كانت مبنية على مجرد خيال لا أكثر، حيث كنا نعتقد أن نساء اليوم لسن قادرات على تحمل المسؤولية، ولكن الملمة الكبرى، شحذت جل القوى الكامنة، ورجحت أن المرأة عندما تريد أن تثبت ذاتها تستطيع أن تصنع المستحيل، وأن ما مر من زمن سالف لم يكن إلا صدفة الظرف، والذي حيّد تلك الإمكانيات الهائلة، حتى بدت النساء في ذلك الظرف مجرد عرف أخلاقي معلق على مشجب مشاعرنا الهشة.
اليوم كل شيء تغير، حتى أصباغ الأظافر، وألوان قوس قزح التي كانت تغطي الشفاه، كل ذلك أصبح من الأمور الهامشية، والتافهة، وما أصبح أهم، هو أن تقبع المرأة الحديثة في قلب مطبخ الحياة، وترتب مشاعر الأبناء، ومعهم الزوج، ضمن باقة من الأطعمة، المنسوجة بأناملها الرقيقة، والمسبوكة، بأنفاسها الدافئة، ولا على أهل البيت سوى اختيار كل ما لذ وطاب.
هذه المحسنات البديعية لم تأت من فراغ، وإنما الظرف القاسي، الذي عايشته المرأة جعلها تحفر في الذاكرة، لتجلي عنها الصدأ، وتستخرج من الأعماق الناصعة، الدر النفيس.
الجائحة مريرة، وقد تسببت بإزهاق أرواح بريئة، ولكن رب ضارة نافعة، وها هي المرأة في بلادنا، تسفر عن إرادة، وتستعيد للذاكرة، شموخ النساء اللواتي عاصرن ظروفاً أشد فتكاً من ظرفنا الحالي، ها هي المرأة في بلادنا، تشمر عن ساعدين لدنين، وتحلق في سماء الزمن، حمامة حلم زاهٍ بأجنحة العزيمة الصلبة، وتؤكد أنها لها، وأنها لن تتخلى عن دورها الأسري، في وقت يتطلب منها أن تتبوأ دورها بأنفة وشموخ، ونحن نقول: إن هذه المرأة، الأم، والزوجة، جديرة بهذا الموقف، وقادرة بكل قوة، أن تقهر الظرف العصيب، بقلب ملؤه الحب للحياة، وروح تفيض بأشواق الانتماء إلى تاريخ رصّعته المرأة في بلادنا، بقلائد الإنجازات العظيمة.