تتفق البشرية جمعاء على أن ترشيد الاستهلاك هو قيمة إنسانية واجتماعية ودينية نبيلة، وهو معيار للتوازن الذي يبنى عليه استقرار المجتمعات والدول، ويؤمن سلامتها في وقت الأزمات، وذلك بما ينسجم مع قوله تعالى في الآية 67 من سورة الفرقان (والَذين إِذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يَقتُروا وكان بين ذلك قَوَاما)، وبما يؤكد أهمية الترشيد في العديد من الممارسات، كاستهلاك الموارد الغذائية والدوائية وموارد الطاقة من ماء وكهرباء، الأمر الذي يتطلب من الجميع اتخاذ إجراءات وخطط استهلاكية واعية تسهم في تحقيق التنمية المستدامة بحفظ حقوق الأفراد في الحاضر والمستقبل، وتأمين الحاجات من الموارد الطبيعية التي تضمن للجميع الحياة الآمنة والكريمة.
وانسجاماً مع كل تلك الثقافة الإنسانية الهادفة إلى حماية وتوفير الموارد لأفراد مجتمع دولة الإمارات، دعا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، إلى ترشيد الاستهلاك وعدم الإسراف، وتعميم هذه الثقافة على الجميع، مؤكداً سموه في مداخلة، خلال محاضرة استضافها مجلس سموه الرمضاني عن بعد، عُقدت يوم الأربعاء الماضي، أن الأمن الغذائي منظومة متكاملة لا تتعلق بإنتاج الغذاء فقط، بل ثقافة التعامل معه، مضيفاً سموه: «كلنا فخر بشبابنا وبناتنا في مواقعهم المختلفة الذين يعملون ويبادرون ويخططون وينجزون الأعمال من وراء الكواليس لتأمين جميع متطلبات الغذاء دون نقص»، مشيراً سموه إلى أنه وبرغم التحديات التي «يواجهها العالم أجمع ونحن جزء منه، فإن سلسلة الإمداد الغذائي في الإمارات لم ولن تتأثر، سواء من الإنتاج المحلي أو المخزون أو عبر الاستيراد، ونُطمئن الجميع أن عملية توفير الغذاء مستدامة وهي أولوية قصوى بالنسبة لنا».
هذه العبارة الأخيرة التي قالها سموه ليست ابنة اليوم، فسموه قال في وقت سابق، خلال لقاء مع معالي المهندس سلطان المنصوري، وزير الاقتصاد، للاطمئنان على إجراءات الوزارة في مواجهة تداعيات كورونا على الوضع الاقتصادي: «القيادة في الإمارات تعمل كل ما تستطيع لجلب كل المواد الغذائية من آخر الدنيا لنوفرها لأهلنا والمقيمين»، الأمر الذي يؤكد جهود القيادة الرشيدة في دولة الإمارات في تأمين المخزون الغذائي الاستراتيجي، القائمة على إنشاء شبكة من شركات الأمن الغذائي الوطنية، محلياً وخارجياً، حيث تتمتع هذه الشبكة بقدرات إنتاجية زراعية كبيرة، تمكّنها من الاستجابة السريعة في وقت الأزمات، كما أن سلاسل التوريد تعمل بقوة وكفاءة عاليتين.
وعلى الرغم من تركيز دولة الإمارات على تعزيز قوة سلاسل التوريد على المستوى الوطني، فإنها أعلنت تأييدها للبيان الوزاري الصادر عن منظمة التجارة العالمية مؤخراً، بشأن الإجراءات ذات الصلة بالتجارة في إطار مواجهة جائحة كورونا، داعية إلى تعزيز أطر التعاون الدولي لضمان انسياب سلاسل التوريد العالمية. إن كل تلك الإجراءات التي تؤكد أن لا تنازل عن تأمين سلة غذائية وسلعية كافية وآمنة، تتطلب بالضرورة العمل بشكل موازٍ على الاعتدال في الإنفاق والاستعمال الأمثل للموارد والأموال، سعياً إلى تحقيق منفعة الإنسان من خلال تفعيل القيم والممارسات التي تقع مسؤوليتها على الأفراد والمجتمعات، من خلال الاستعمال الرشيد والعقلاني للموارد، وتقليل استهلاكها وتجنب إهدارها.
وفي الوقت نفسه تعمل المؤسسات والجهات المسؤولة في الدولة على تعزيز سلامة الموارد واستمراريتها، وذلك من خلال توفير السلع والخدمات على المستوى الوطني، وضمان استمرارية تدفقها بين الدول، حيث قال معالي المهندس سلطان المنصوري، حول البيان الوزاري الصادر عن منظمة التجارة العالمية، إن التعاون اليوم في تيسير التجارة عبر الحدود هو أمر جوهري، والرسائل التي أعلنتها الدولة في هذا الصدد واضحة بشأن التزامها بدعم حركة التجارة الدولية، لكون الدولة مركزاً حيوياً على خريطة التجارة العالمية، وضمانة أكيدة في تدفق الإمدادات من المعدات الطبية والمنتجات الغذائية، وتمكين المجتمعات في مختلف أنحاء العالم من الوصول إليها بصورة مستمرة.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية