في مثل هذه الأيام، وقف رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم خطيباً ليقول للناس: «أيها الناس قد أطل عليكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، مَن تقرّب فيه بخصلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر بوابة الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتقاً لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء».
وبذلك، لخص رسولنا الكريم فضائل شهر رمضان، وأوضح لنا الأساس السليم والصحيح لصومه، ولذا كان السلف الصالح يعتبرون رمضان فرصة العمر للتسابق إلى الله في ميدان العمل الصالح، وبالمقابل فإن أزمة المسلمين في هذا العصر، هي أزمة فهم لمعاني هذه العبادة، وأقصد بذلك الصيام، الذي أوضح رسولنا الكريم آدابه ومقاصده وفلسفته، خاصة عندما قال في الحديث الشريف: «ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يُقِمن صلبه»، وعندما سمع هذا الحديث أحد كبار الأطباء، قال: «لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت دكاكين الصيادلة».
ويقول أحد الصالحين، وهو إبراهيم بن أدهم: «من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة، وإن معصية الله بعيدة عن الجائع قريبة من الشيطان».
وعندما سئل النبي يوسف: لمَ تجعْ وأنت على خزائن الأرض؟ قال: أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع، ويروى عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن القيادة، وسئل عبدالله بن مسعود: كيف كنتم تستقبلون رمضان؟ قال: ما كان أحد منا يجرؤ على استقبال الهلال وفي قلبه ذرة حقد على أخيه المسلم.
وقد أدرك الصحابي الجليل أبو الدرداء، خطورة انحراف القلب وغفلته عن ذكر الله، بعد أن رأى المجتمع حوله وقد بدأ يغرق في الترف وينشغل بالرفاهية، ويتجه بقوة إلى شهوات الدنيا وملذاتها، فأراد أن يرتفع بقلوب المسلمين من حب الدنيا إلى حب الآخرة، ولدى قدومه على أهل الشام، دعاهم إلى اجتماع طارئ في المسجد، فخطب فيهم قائلاً: يا أهل الشام أنتم الإخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء.. لكني أراكم لا تستحون، تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتربحون ما لا تبلغون.. قد كانت القرون من قبلكم يجمعون فيدعون، ويؤملون فيطيلون، ويبنون فيرتقون، فأصبح جمعهم بوراً، وأملهم غروراً، وبيوتهم قبوراً.. أولئك قوم عاد ملأوا ما بين عدن إلى عمان أموالاً وأولاداً.. هل منكم من يشتري من تركة آل عاد بدرهمين؟
تحدث «بديع الزمان» في خطبته الشهيرة عن ستة أمراض قاتلة، هي:
1- اليأس الذي يجد في حياة الناس أسبابه وبواعثه.
2- موت الصدق في حياة الناس.
3- حب العداوة.
4- الجهل بالروابط الروحية بين المؤمنين بعضهم بعضاً.
5- سريان الأمراض المعدية المتنوعة.
6- طغيان المنفعة المادية والمصلحة الشخصية.