مازالت أزمة كورونا المستجد تتجدد في دروسها التي تقدمها للبشرية قاطبة، وبدأ الحكماء والمنظرون حول العالم في الكتابة عن إيجابيات هذه الأزمة والتغيرات التي ينبغي القيام بها حول العالم، لتفادي مثل هذه الأوبئة مرة أخرى، أو للتعايش معها بصورة أفضل، وأول شأن في هذا الإطار كان التركيز على الحاجات الأساسية للإنسان، والتي فشلت في تأمينها أعرق الديمقراطيات في العالم، حيث أصبحت لقمة العيش صعبة المنال، وخرج الناس في بعض الدول متسائلين عن الأسباب التي أوصلتهم لهذه المرحلة. النقطة الثانية التي كثر الحديث حولها، كان التساؤل عن ميزانيات الدول وأولويات الإنفاق، فقد بينت أحدث الإحصاءات أن إنفاق العالم على السلاح عام 2019 قد جاوز 1917 مليار دولار أميركي، وذلك حسب تقرير معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، لا يشكك أحد في أهمية الاستعداد العسكري لمواجهة التحديات، لكن ماذا لو استثمر جزء من هذا المبلغ في الأبحاث المرتبطة بمستقبل البشرية، أو في تأمين المتطلبات الأساسية للإنسان.
ومجالات الكتابة في هذه الدروس كثيرة، لكني أودّ التركيز على نظرية تحويل الحلول البديلة إلى أصيلة.
في كثير من الدول هناك خطط أصيلة تسمى (الخطة أ) وخطط احتياطية أو بديلة تسمى( ب). الدول الناجحة هي التي تدربت قبل وقوع المأساة على مثل هذه السيناريوهات، وأقحمت نفسها افتراضياً في عالم المستقبل الذي تخطط له الدول الناجحة، ففي الإمارات، مثلاً، كان من السهل على المستوى الحكومي الانتقال من العمل في المكاتب (الخطة أ) إلى العمل في المنازل (الخطة ب)، وقليلة هي الدوائر التي لم تكن جاهزة لهذه الممارسة، والفضل في ذلك يعود للإجراءات الحكومية في تطوير وتفعيل الحكومة الإلكترونية، وقد بدأت الإمارات الاستعداد لما بعد هذه الجائحة بتطوير آليات تسمح للعمل من المنزل في كثير من الإدارات التي لا تقتضي طبيعة عملهم الذهاب يومياً لمكاتبهم المادية، لأن عملهم الافتراضي يغنيهم عن ذلك.
التعليم كان الهاجس الثاني عند حلول هذه الأزمة، فحسب إحصاءات اليونيسكو، فإن 87% من التلاميذ تأثروا بإجراءات مقاومة الفيروس لعدم وجود إمكانيات التعلم عن بُعد في دولهم، فأكثر من 165 دولة حول العالم لم تكن جاهزة لهذه الممارسة، ونتج عن ذلك حرمان مليار ونصف تلميذ من الدراسة، بيد أن الإمارات نجحت بصورة مذهلة في إعادة برمجة مناهج التعليم، كي تستمر الدراسة، لكن عن بُعد. وكلي ثقة أن مشاريع التعلم الإلكترونية سيتم تطويرها في المستقبل القريب، كي تمكننا في سد الثغرات الحالية في هذه النمطية من التمدرس، مثل إجراءات التقويم. وهناك أسئلة ما زالت معلقة، منها كيف نعلم مبادئ الكتابة، مثلاً، لأطفال الروضة لو بدأنا العام الدراسي القادم بنفس الأسلوب.
وختاماً، فإن السؤال العالمي المشروع في إطار اعتماد الدول على التكنولوجيا في إدارة الشأن العام، يتمحور حول من بيده مفاتيح هذه الآلية، تصور معي لحظة لو أن الإنترنت قرر أصحابها حرمان العالم منها، هل هناك خطط بديلة للدول؟