«أوبئة قديمة تعود وأمراض جديدة تظهر والأمل الوحيد في الأدوية الجينية» عنوان تقريري من بوسطن الذي نُشر على الصفحة الأولى في 12 يوليو عام 1994. واستُهلّ التقرير بالعبارة التالية: «أشخاص أصحاء تماماً تظهر عليهم فجأة أعراض الارتباك الجسدي وفقدان السيطرة على حركة أيديهم وأرجلهم، فيما تتدهور قدراتهم العقلية تدريجياً، ويبدؤون يعانون صعوبةً في التنفس، تتطور لاحقاً إلى الاختناق والوفاة». استند التقرير إلى شهادات علماء أميركيين التقيتُ بهم، ومنهم «روبرت بيكونان» عضو أكاديمية العلوم الأميركية وأستاذ الطب في جامعة هارفرد، و«سذير أغرول» مطوّر دواء «الإيدز» المصنوع من مادة الحمض النووي «رنا» الذي وجد قبل 4 مليارات سنة، ومنه مادة الفيروس الذي يستولي عند دخول الجسم على آليات عمله ويستخدمها للتكاثر والانتقال من خلية لأخرى حتى يطيح بالجسم كله. هذا الفيروس الذي عرفه العلماء قبل ربع قرن كيف يفاجئ الآن الحكومات؟
وتوقعتْ وباء كورونا رواية «عيون الظلام» التي صدرت عام 1981. وأوضح ذلك الأكاديمي السعودي محمد السويل، أستاذ العلوم الإلكترونية والرياضيات، الذي استخدم في توقع الوباء نظرية الاحتمالات، وهي فرع من الرياضيات يبحث الحوادث العشوائية التي لا يمكن توقع نتائجها، وقد تكون واحدة من نتائج عدة تتحكم بها الصدف، ولا يمكن تحديد أي منها قبل وقوعها. وتنبذ الاحتمالاتُ نظرية المؤامرات، التي تعتبر قيمتها صفر، «لكن بعضها قد يحدث، وهذه مفارقة»، كما يقول «السويل» الذي يستخدم مثال رَمي سهم إلى لوح يضم ما لا نهاية له من النقاط، وتعادل احتمالات إصابة أي نقطة بالسهم الصفر.
وعبّر العالم الفلسطيني منير نايفه، أستاذ الفيزياء في جامعة «إيلينوي» (أوربانا شامبين)، عن دهشته في تفاجؤ العلم الآن بهذا الفيروس، وكان زميله في الجامعة «كارل ريتشارد ووز» قد اكتشف عام 1967 تركيبة «الحمض النووي الريبوزي» (رنا) وهو ابن العم الكيماوي لحمض «دنا» ولعب دوراً في ظهور أول أشكال الحياة، وحفز التفاعلات البيوكيماوية، التي تعتمد عليه في حمل المعلومات الجينية، بالمقارنة مع «رنا» الذي يعيش دقيقتين فقط، يغزو خلالها إذا أتيحت له الفرصة جميع أجهزة الجسم، ويفتك بها. واكتُشِفت آنذاك عملية الاستنساخ العكسية للحمص النووي «رنا» في الحمض النووي «دنا» الموجود في كل الخلايا الحية تقريباً. وذكر «نايفه» أن «كوفيد - 19» فضح جميع جوانب ضعف النظام الصحي ونواقصه في أميركا. و«بالمقارنة مع بلدان أخرى، يصعب تصور حجم سوئه، حيث تشح في أميركا أدوات التهيؤ للجائحة، وتشُّحُ حتى الكمّامات والملايات الطبية والقوارير والفحوص وأسرّة المستشفيات، وغير ذلك كثير». وعبّرَ «نايفه» عن حزنه لأن كل التقدم الطبي لم يسفر إلا عن الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، لإنقاذ الناس. و«نايفه» أحد رواد تكنولوجيا «النانو» الذي يعادل جزءاً واحداً من مليار من المتر، ويُنتَظرُ أن تلعب هذه التكنولوجيا دوراً في تطوير تقنيات تقضي على فيروس كورونا.
و«ما هو سيء لأميركا جيد للسوق»، يقول العالم الأميركي «بول كروغمان» الحاصل على «نوبل» في الاقتصاد، والذي يذكر أن مؤشرات الاقتصاد الأميركي تدل على أنه على حافة الهاوية، فيما أسعار الأسهم التي انخفضت قليلاً مع بداية أزمة كورونا سرعان ما عوّضت عن جميع الخسائر. ما الذي يجري؟ يتساءل كروغمان، ويكرر ثلاث مرات جملة «سوق الأسهم ليست الاقتصاد»، وهذه في تقديره علاقة سوق الأسهم التي تتأرجح بين الطمع والخوف، والنمو الاقتصادي الحقيقي الذي كان دائماً بين الخسارة والعدم. وتفسير ذلك أن المستثمرين «يشترون الأسهم لأنهم جزئياً لا يجدون طريقاً آخر يذهبون إليه، وهذا هو سبب أن الأسهم بهذه القوة والاقتصاد بهذا الضعف».