قبل بضعة أيام، وخلال حديث إذاعي له، قال زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي «ميتش ماكونيل»: إن معركة انتخابات 2020 للسيطرة على مجلس الشيوخ ستكون معركة حياة أو موت، واستخدم في ذلك تعبيراً دارجاً («معركة كلاب») للدلالة على شراستها، لماذا استخدام هذا الوصف القاسي؟ وهل ما تعيشه الولايات المتحدة في الوقت الراهن يستدعي معركة على جهات متعددة، جميعها تمثل حياةً أو موتاً (بالمعنى المجازي) بالنسبة للبلاد؟
الشاهد أن السيناتور ميتشل مهموم في الوقت الراهن بالحفاظ على الأغلبية «الجمهورية» في مجلس الشيوخ، الغرفة الأعلى في الكونجرس، وكله أمل كذلك في أن يسترد الجمهوريون أغلبيتهم السابقة في مجلس النواب مرة أخرى.
يمثل مجلس الشيوخ الدرع الواقي للرئيس دونالد ترامب (الجمهوري)، ويأمل الجمهوريون أن يحتفظ ترامب بموقعه في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى، رغم كل الضوضاء التي أثارتها جائحة كورونا، والخسائر التي لحقت بالأميركيين جراءها، لا سيما أن المنافس الظاهر للعيان حتى الساعة رجل غير كاريزماتي، وغير قادر على قيادة الإمبراطورية الأميركية في أوقات المحنة.
استطاع «الديمقراطيون» جمع أموال أكثر من الجمهوريين استعداداً للمعركة القادمة، غير أنه من الواضح أن محددات ومعايير العملية الانتخابية الأميركية في نوفمبر القادم، سواء الرئاسية أو البرلمانية، وصولاً إلى أصغر مدينة في البلاد، سوف ترتكز على منظور أكثر اتساعاً يدخل في سياق معارك الموت أو الحياة بالنسبة للجمهورية الأميركية.
المعركة الحقيقية في الداخل الأميركي اليوم، هي معركة الانتصار على فيروس كورونا، والإخفاق في مواجهته أو انتشاره على مستوى وبائي أكثر اتساعاً، ربما يهدد حدوث انتخابات من الأصل.
تسبب كورونا خلال ثلاثة أشهر في عدد ضحايا بين الأميركيين، يعادل عدد ما سقط منهم خلال أعوام حرب فيتنام، ولا يعلم أحد إلى متى سيضرب ذات اليمين وذات اليسار، وعليه فالخلاص من كورونا هو -وعن حق- معركة أميركا الأولى في الوقت الراهن.
المعركة التالية ستكون موصولة بكورونا، وإن جرت بها المقادير على صعيد الاقتصاد الأميركي، ذاك الذي تكبد خسائر فادحة وما يزال، خسائر قضت على كثير من منجزات الرئيس ترامب طوال السنوات الثلاث السابقة، الأمر الذي يستدعي جهوداً جبارة لإعادة إحياء المسار النهضوي الاقتصادي الأميركي.
معارك الحياة والموت الأميركية متسعة، ومنها العلاقة مع الصين بعد أن تحط الحرب مع كورونا أوزارها، إذ يبدو أنها ستكون معركة تكسير عظام حقيقية، وبخاصة إذا مضت أميركا في مطالبة الصين بتعويضات مالية، تصل بضعة تريليونات من الدولارات جراء الخسائر التي لحقت بالأميركيين بشرياً ومادياً، وما ترى واشنطن أنه «تقاعس صيني» في أحسن أحواله.
وفي كل الأحوال، لا ننسى الإشارة إلى معركة أميركية قادمة أخرى مع اليمين الأصولي الذي انتعش جراء كورونا، ولهذا حديث قادم إن شاء الله تعالى.

*كاتب مصري