لو حدث هذا للبشرية، واستطاعت أن تتحرر من «الأنا»، لأمكن الإنسانية أن تعيش من دون خذلان الإنسان للإنسان، ومن دون خديعة الإنسان للإنسان، ولصار العالم كما هي الجداول في الحقل، تتسابق لري الأشجار، ولا يعترض أحدها الآخر.
لو فكرنا فقط كيف تعيش المخلوقات الأخرى، وكيف تبني علاقتها على التكامل، لما حدث ما يسحق الفرح في عيون الأبرياء، عندما يفقد أحدهم فلذة كبده، أو أمه، أو أباه، جراء الوباء الشرس.
لو تأملنا مشهداً من مشاهد الحياة الطبيعية، وما يجري في وجدان المخلوقات الأخرى، فسوف نسخط على ما يحدث بين البشر، وسوف نستنكر بشدة ما يتصرف به الإنسان «العاقل» جراء حدوث كارثة مثل كورونا، وقد تابعنا ما يجري من صراع الأشقاء على أرض الواقع، ورصدنا الكثير من الإرهاصات التي يشيب لها الولدان، ويندى لها الجبين، فقد بدا على البشر ما يشبه صراع الضباع على جيفة هامدة، وقد أبدت الدول المتحضرة سلوكاً ترتجف له الأفئدة، وترتعد الفرائص، لأن ما يتم في الواقع، لا يمت للإنسانية بصلة ولا علاقة له بالحضارة التي صنعت المعجزات، وعجزت أن ترتب بيت القلب، وأن تهذب شجرة الفكر، وأن تشذب أغصان الروح، فكل ما قدمته الحضارة من تقنيات مذهلة، تلاشى أمام وحشية التعامل بين الإنسان والإنسان، وأثبت أن كل ما قدمه العقل البشري من منجزات حضارية، أصبح بلا قيمة، طالما لا يزال الإنسان من الناحية النفسية، يسكن غابة التوحش، والافتراس، والسير على خطا مقولة «أنا ومن بعدي الطوفان».
هذه هي سيرة ابن آدم، وهذه هي صورة الحقيقة في المرآة، فهو لم يزل كما قال فرويد، يحمل في داخله بعضاً من زمن الغاب. وهو ما يجعلنا نقول: إن الإنسانية أمامها قرون عديدة، حتى تحقق على النقيض مما قاله فرويد، وأنه كي يخرج من هذه الشرنقة، عليه أن يخرج العقل من العقل، وأن يصفي المرآة، وأن يذهب إلى الحياة من فيروسات التاريخ، وأن يلتقي مع الآخر على أنه لا توجد هناك «أنا»، وإنما نحن، وكم نحن بحاجة إلى هذا الإكسير كي نحرر أنفسنا من الأنانية، ومن البغضاء، ومن إدانة الآخر، كم نحن بحاجة إلى عيون لا تقبع خلف نظارة سوداء، لا ترينا إلا نصف الحقيقة، وكم نحن بحاجة إلى قلوب، تعرف أن الحقيقة تكمن في قلب الأنهار الصافية، وليس في المستنقع.
كم نحن بحاجة إلى القول كفى، فقد أحرقنا الكثير من العمر، ونحن ننفخ في الكير، أما آن لهذه القلوب أن تستريح وتقول للآخر: خذ قبلتي، متبوعة بحبي؟