معظم الأميركيين لزموا منازلهم لفترة شهر، على الأقل، حتى الآن. معظمهم يتوقون للعودة إلى العمل وبدء التمتع بالأنشطة الخارجية، التي تتزامن مع حلول الأيام الأولى للموسم الصيفي. لكن معظم الناس قلقون من احتمال تفشٍ أكبر لفيروس كورونا، في حال رُفعت القيود على الأنشطة بشكل مبكر. وقد أضحى النقاش حول فتح الاقتصاد الأميركي الآن موضوعاً مركزياً في الحياة السياسية الأميركية، وخاصة في سنة انتخابية.
وفي بداية السنة كانت أقوى ورقة لدونالد ترامب، من أجل إعادة الانتخاب لولاية ثانية في نوفمبر المقبل، هي قوة الاقتصاد الأميركي. فقد كانت سوق الأسهم مرتفعة بشكل قياسي، والبطالة منخفضة إلى أدنى مستوياتها. ولئن كانت شعبية ترامب بين الجمهور ما زالت في حدود 45 بالمئة، فإنه استفاد من الطفرة الاقتصادية، كما اعترف أشد منتقديه بأنه سيكون من الصعب هزمه في حال تواصلت الطفرة حتى شهر نوفمبر. لكن بعد ذلك أتى الوباء، واليوم هبط سوق الأسهم بشكل دراماتيكي، والأسوأ من ذلك هو أن البطالة ارتفعت بشكل صاروخي مع فقدان الناس وظائفهم بمعدل لم يُر له نظير منذ «الكساد الكبير» في أواخر العشرينيات والثلاثينيات. عواقب هذه الكارثة الاقتصادية على المدى الطويل لم تُحص بعد، لكن بالقياس لأزمات مماثلة في كل البلدان الكبرى، فإنها من المحتمل أن تكون وخيمة جداً.
وكان ردّ فعل ترامب على هذا الانهيار الاقتصادي، القول بأنه ظاهرة قصيرة المدى، وإن الانخفاض الحاد في المؤشرات الاقتصادية الأساسية، سيكون متبوعاً بارتفاع حاد، حينما يعود الأميركيون إلى العمل. وكان أمله أن يبلغ الوباء الحالي في الولايات المتحدة ذروته سريعاً، وأن يعاد فتح الاقتصاد ويشهد طفرة من جديد، وأن يكون هو قادراً على ترؤس تعافٍ اقتصادي دراماتيكي في الوقت المناسب، من أجل إعلان النصر، وبالتالي الصعود في نتائج استطلاعات الرأي العام، تمهيداً لإعادة انتخابه. وقد بدأ ترامب، واضعاً هذه الاستراتيجية في ذهنه، وضد كل التوجيهات الصادرة عن إدارته، يشجّع الأميركيين على الاحتجاج ضد بعض حكام الولايات («الديمقراطيين» بشكل رئيسي) الذين اعتمدوا بروتوكولات إغلاق جذرية في ولاياتهم، من أجل المساعدة في السيطرة على تفشي الفيروس. ويُعتبر قرار ترامب دعم المجموعات الصغيرة من المحتجين الذين احتشدوا أمام مقرات الجمعيات العامة للولايات، والذين كان بعضهم مدججاً بالأسلحة من أجل التأكيد على حقهم في حمل السلاح، كما ينص على ذلك التعديل الثاني من الدستور، خطوةً مقصودةً تهدف إلى تعزيز معدلاته الجيدة بين ناخبي قاعدته الذين يضمّون، بشكل رئيسي، الأميركيين البيض ذوي الدخل المنخفض.
إحدى نتائج هذه الاحتجاجات، هي أن الحكام الجمهوريين لبعض الولايات، مثل جورجيا وتينيسي وفلوريدا، بدأوا يصدرون توجيهات جديدة تخفّف كثيراً من القيود التي كانت قائمةً الشهر الماضي، على الرغم من أن حالات إصابة جديدة بالفيروس بدأت تظهر كل يوم. فجورجيا، على سبيل المثال، باتت تسمح الآن بفتح صالونات الحلاقة، وصالونات تجميل الأظافر، والقاعات الرياضية، وصالونات التدليك، وفي الأسبوع المقبل المطاعم. والحال أن خبراء الصحة يعتبرون هذه الخطوات متطرفة وخطيرة للغاية، ويعتقدون أنها يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الإصابات.
كل هذا يُبرز المأزق والاختيار الصعب الذي يواجه البلاد. ذلك أنه إذا استمر الإغلاق فترة أطول بكثير، فإن التكلفة الاقتصادية بالنسبة للبلاد ستزداد بشكل تصاعدي، ولكن من جهة أخرى إذا خُفّف الإغلاق، فإن الوباء يمكن أن يستمر ويزداد سوءاً. وبالتالي، فإن التداعيات السياسية ستزداد حدة، في وقت تعاني فيه أعداد متزايدة من الأميركيين «حمى المقصورة» وترغب، على نحو يائس، في الخروج من البيت والعودة إلى أنماط عيشها السابقة. غير أنه إذا كانت «موجة ثانية» من الفيروس هي نتيجة التخفيف المبكر لقواعد الإغلاق، فإن معدل الوفيات في الولايات المتحدة سيرتفع مرة أخرى، وستعاني كل من صحة البلاد وثروتها من انتكاسة كارثية أخرى لآمالها في التعافي. ومما لا شك فيه أن هذه النتيجة هي أسوأ كابوس بالنسبة لدونالد ترامب.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشونال انترست- واشنطن