تولي القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة قضية الصحة أهمية فائقة، وقد كانت صحة الإنسان - وما تزال- الأولوية الأولى للدولة منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومن هذا المنطلق تم تشييد المستشفيات العصرية في كل إمارات الدولة ومناطقها المختلفة، بحيث أصبحت الخدمات الصحية متاحة لكل من يقيم على أرض الإمارات، كما تم مد مظلة التأمين الصحي لتشمل كل مواطني الدولة والمقيمين فيها، وحتى الزائرين.
ولا شك أن البنية التحتية القوية التي تمتلكها دولة الإمارات في مجال الرعاية الصحية والطبية، هي التي مكنتها من تحقيق نجاحات كبيرة في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وهي النجاحات التي تحظى بتقدير عالمي كبير ومن قبل المنظمات الدولية المعنية، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية التي أشادت غير ما مرة بالاستراتيجية الناجعة التي استخدمتها الدولة للتعامل مع هذه الجائحة، التي غزت العالم على حين غرة، وشكلت تحدياً لم تشهده البشرية منذ الحرب العالمية الثانية (1939- 1945).
ولأن جائحة فيروس كورونا المستجد، قد فرضت على جميع دول العالم إعادة النظر في تفعيل نظم الرعاية الصحية حتى تتمكن من مواجهة هذا التحدي الخطير، وحتى تكون أكثر جاهزية للتعاطي مع التحديات المماثلة في المستقبل، فإن دولة الإمارات كانت، كعادتها، سبّاقة في هذا المجال، حيث اتخذت العديد من المبادرات والسياسات لدعم قطاع الصحة وتطويره حتى يكون أكثر فاعلية، وقد حدث ذلك خلال فترة زمنية قصيرة جداً، وهو ما يؤكد رسوخ مؤسسات الدولة المنوط بها التعامل مع الأزمات بأنماطها المختلفة، بشكل عام، والمؤسسات المنوط بها الاهتمام بالقطاع الصحي على وجه خاص.
وتتوالى هذه المبادرات لتسجل عزم قيادتنا الرشيدة وتصميمها الذي لا يفتر على تعزيز منظومتنا الصحية، والوصول بها إلى أرقى مستوى ممكن. وفي هذا السياق، وتنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أعلنت مؤسسة الأوقاف وشؤون القصّر بدبي عن شراكة جديدة مع جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، لإطلاق مبادرة مشتركة باسم «لنرتقِ بصحة وطننا»، هدفها المساهمة في مواجهة تحدي جائحة (كوفيد- 19) ومساندة جهود القضاء على الأمراض والأوبئة، ودعم الدراسات والأبحاث في مجال الصحة بشكل عام. وتأتي المبادرة في صورة وقف صحي، كخطوة استباقية عاجلة لأي تداعيات أو أزمات صحية محتملة، خصوصاً بعد أن أبرزت هذه الجائحة أهمية التشخيص المبكر للأمراض والأوبئة ودوره في وقاية الفرد والمجتمع وتجنب الأضرار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عنها. وتعني المبادرة بدعم دراسات الأمراض المُعدية والأوبئة في جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، وبالتنسيق مع الهيئات الصحية والجهات المختصة، وبما يعزز استعداد دولة الإمارات للتعامل مع الأمراض المُعدية المستجدة والمتكررة، وكذلك دراسة مقاومة مضادات الميكروبات والعمل على بحث ودراسة قاعدة بيانات ضخمة للأوبئة، بهدف إيجاد سبل للتعامل مع مختلف السيناريوهات المتوقعة.
والحاصل أن هذه المبادرة، وفضلاً عما تعنيه من اهتمام راسخ لدى دولة الإمارات العربية المتحدة بتطوير قطاع الصحة القائم لديها، فإنها تبرِز الدور الكبير الذي يمكن أن يقوم به الوقف في دعم الجهود الحكومية، في كل المجتمعات، وبخاصة المسلمة منها، حيث إن الوقف يعتبر تاريخياً من أبرز الآليات التي تم استخدامها لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في الدول الإسلامية، ولقد اهتم به الفقهاء ووضعوا له الأحكام التي تضبط معاملاته، وفضلاً عن ذلك فإن هذه المبادرة تدفع في سبيل تعزيز جهود الدولة في بناء اقتصاد قائم على البحث والمعرفة من خلال دعم الدراسات التخصصية المتعلقة بمكافحة الأمراض والأوبئة، وبناء مراكز للبحوث والدراسات المتخصصة في هذا الشأن.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.