داهم انهيار أسعار عقود نفط خام تكساس لشهر مايو الرئيس دونالد ترامب، وهو الذي لديه ما يكفيه من الأزمات المترتبة على تداعيات جائحة لم تكن في حسبانه. لم يحدث من قبل أن تحول سعر أي نوع من النفط سالباً، أي اضطر البائعون إلى دفع مبلغ للمشترين. وفعلت تداعيات «كورونا» فعلها في الاقتصاد العالمي، فانخفض الطلب على النفط، وأثّر على منتجيه في العالم. لكن هذا الأثر على خام تكساس يمثل ضربة جديدة للرئيس الأميركي، بسبب قوة لوبي النفط في الولايات المتحدة عموماً، وفي ولاية تكساس ذات الأهمية القصوى في الانتخابات الرئاسية بصفة خاصة. وتكساس هي الولاية الثانية من حيث عدد الأصوات في المجمع الانتخابي، الذي يُعد المرحلة الأخيرة في انتخاب الرئيس الأميركي. ولدى تكساس 38 مندوباً في هذا المجمع من أصل 538، وتأتي قبلها فقط كاليفورنيا الممثلة بـ55 مندوباً. كما أنها من الولايات التي فاز فيها ترامب في انتخابات 2016، ويتطلع إلى المحافظة على قاعدته الانتخابية فيها. ولذا، سارع إلى البحث في كيفية تقديم دعم فيدرالي لمنتجي النفط في تكساس، في وقت تزداد فيه الفئات التي تحتاج لمثل هذا الدعم، سواء أفراداً أو شركات، نتيجة الكساد الكبير المترتب على تداعيات كورونا الاقتصادية.
لم يتوقع ترامب أن تأتي الأقدار بما يغير المشهد في عام الانتخابات. لقد أصبح عليه أن يدير أزمة كبرى، ويواجه تجلياتها التي يبدو بعضها أشبه بأعاصير لا تمضي أيام على خروجه من دواماتها حتى يجد نفسه في قلبها مجدداً. وربما هذا يفسر أنه رئيس الدولة الوحيد في العالم الذي يعقد مؤتمراً صحفياً يومياً للحديث عن هذه الأزمة، وعن الإجراءات التي تتخذها إدارته لمواجهتها، ويجيب عن أسئلة صحفيين يحاول بعضهم إحراجه.
ويبدو أن هذا الحضور اليومي أفاد ترامب حتى الآن على الصعيد الانتخابي، رغم عدم صحة بعض ما يقوله. فالمؤتمر الصحفي اليومي يتيح له تصدُّر وسائل الإعلام، ويجعله في تواصل مستمر مع الجمهور، وبالتالي الناخبين، ويُعوض وقف الحملات الانتخابية على الأرض، في الوقت الذي اضطر منافسه المرشح «الديمقراطي» المرجح، جو بايدن، لأن يلزم منزله ويقيم استديو تلفزيونياً على عجل في بهو هذا المنزل. لكن مثل هذا الاستوديو لا يمكن أن ينافس مؤتمرات ترامب الصحفية التي تنقلها وسائل الإعلام، أو تبث مقتطفات منها.
ولذا، يبدو ترامب قادراً حتى الآن على المناورة إزاء «الأعاصير» التي تواجهه، وعلى تصحيح موقفه في وقت مناسب حين يرتكب خطأً، حتى إذا أوقعه ذلك في تناقض يقل أثره السلبي مقارنة بالإصرار على هذا الخطأ، كما فعل عندما اصطدم مع بعض حكام الولايات حول الوقت المناسب لإعادة فتح الاقتصاد. فقد تراجع بسرعة عن موقفه بشأن إلزام حكام الولايات بإلغاء إجراءات غلق الاقتصاد أو تخفيفها، بعد رفض بعضهم على أساس أن الوقت لم يحن بعد لمراجعة تلك الإجراءات، خاصة أندرو كومو حاكم نيويورك الذي أعلن أنه لن يلتزم بأي أمر يصدره الرئيس ويُعرِّض حياة مزيد من سكان الولاية للخطر. فقد صحح ترامب موقفه بسرعة، وأعلن خطة تتضمن إرشادات وتوجيهات غير مُلزمة لإعادة فتح الاقتصاد عبر ثلاث مراحل، وليس بشكل فوري. وتفويض حكام الولايات في تحديد الوقت المناسب للبدء في المرحلة الأولى. وتجنب، عبر هذا التراجع، خوض معركة خاسرة، لأن الدستور لا يعطي الرئيس أو الإدارة الفيدرالية صلاحيات بشأن إدارة الأوضاع الاقتصادية في الولايات، وخطط مواجهة الأوبئة فيها، بل ينص في تعديله العاشر على ما معناه أن تحتفظ كل ولاية بالسلطات التي لا ينص على أنها من صلاحيات الإدارة الفيدرالية.
وفضلاً عن تجنب معركة خاسرة، حقق ترامب مكسباً لأنه ألقى الكرة في سلة حكام الولايات، وحمّلهم المسؤولية أمام الشعب، وبالتالي الناخبين الذين يضعهم في حساباته طوال الوقت، عن إجراءات مواجهة الفيروس، والخسائر الاقتصادية المترتبة عليها، لكي لا يتحملها منفرداً، بخلاف ما يرغب فيه خصومه في الحزب الديمقراطي.
وهكذا، يستخدم ترامب خبراته في مجال إدارة «البيزنس» للمناورة إزاء أعاصير تواجهه أملاً في المحافظة على تقدمه في سباق الانتخابات الرئاسية. ولكن السؤال يبقى مثاراً عما إذا كان في إمكانه الاستمرار في هذا المنهج لما يقرب من سبعة أشهر أخرى؟

*مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية