إذا كانت تجارب الدول المتقدمة تشير إلى أن السر وراء نهضتها يكمن بالأساس في قدرتها على بناء أنموذج تنموي يتسم بالاستدامة والتطور، والاستثمار في المستقبل وامتلاك أدواته البشرية والتقنية، والتمتع بالإرادة القوية التي تتحدى المستحيل، فإن هذا أهم ما يميز دولة الإمارات العربية المتحدة التي أصبحت أنموذجاً ملهماً لصناعة الأمل وثقافة الإنجاز، وباتت عنواناً للنجاح في كل المجالات.

ولا شك في أن إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قبل أيام، إنجاز إحدى أهم المراحل النهائية لإطلاق «مسبار الأمل»، وهي نقله من مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي إلى محطة الإطلاق في جزيرة تانيغاشيما باليابان، استعداداً للإطلاق في يوليو المقبل، إنما يعد خطوة نوعية بكل المقاييس، ليس فقط لأنها تحققت في أقل من المدة المعتادة عالمياً (ست سنوات فقط من عشر) وبنصف الكلفة، أو لأن من قام بعملية تطوير المسبار كوادر مواطنة باتت تمتلك الخبرات المعرفية في مجال علوم الفضاء التي تعد من المجالات العلمية المتخصصة والدقيقة جداً، وإنما أيضاً لأن هذا الإنجاز جاء في وقت يشهد فيه العالم أجمع إغلاقاً تاماً للدول والمدن والحدود الدولية ووقف حركة الطيران وغيرها، نتيجة تفشي وباء كورونا المستجد، الأمر الذي يؤكد أن إنجاز هذه المرحلة من «مسبار الأمل» لم يكن ليتحقق من دون تخطيط متقن، وتفان متواصل من فريق العمل، وتعاون كامل من كل مؤسسات الدولة المعنية بمشروع الإمارات لاستكشاف الفضاء.

وفي الوقت الذي أجبرت فيه «جائحة كورونا» معظم دول العالم على إيقاف مشروعاتها وتأجيل خططها المستقبلية، إلا أن الإمارات شكلت استثناء من ذلك، وواصلت العمل بكل عزيمة وإصرار من أجل تذليل كافة العقبات وتخطي كل أنواع التحديات ليس فقط فيما يتعلق بتنفيذ مراحل مسبار الأمل في موعدها، وإنما أيضاً في مختلف القطاعات الأخرى، حينما نجحت في توظيف بنيتها التقنية والرقمية المتقدمة في مجالات العمل عن بُعد والتعليم من بُعد.

«مسبار الأمل» ليس فقط مجرد إنجاز فريد، وإنما هو أيضاً تجسيد لعبقرية التخطيط الاستراتيجي والطموح اللامحدود اللذين يميزان الإمارات منذ نشأتها، فحينما تحتفل الإمارات باليوبيل الذهبي لدولة الاتحاد في العام المقبل تكون على موعد حقيقي مع المستقبل، حينما يهبط مسبار الأمل إلى الكوكب الأحمر في إنجاز غير مسبوق يتناسب مع مكانة وخصوصية الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الاتحاد، ولتدخل معه الإمارات مرحلة جديدة من تاريخها، تتعزز فيها مكانتها على خريطة الدول الرائدة في مجال الفضاء، وتصبح واحدة من بين تسع دول فقط في العالم لديها برامج طموحة لاستكشاف هذا الكوكب، وتعزيز معرفة البشر به.
تؤمن دولة الإمارات أن قيمة أي دولة تقاس بمقدار إسهاماتها في صنع الحضارة الإنسانية والارتقاء بمسيرة التقدم البشري، ولهذا فإنها تستهدف من خلال مشروعها الطموح في مجال استكشاف الفضاء وضع الأسس والمرتكزات التي تعزز من تنافسيتها في هذا المجال على الصعيد الدولي، وفي الوقت نفسه فتح المجال أمام العرب للانخراط في هذا القطاع الحيوي المهم لمستقبل البشرية، خاصة أن إنجازاتها التي حققتها خلال السنوات القليلة الماضية تؤهلها لكي تكون واحدة من أهم الأقطاب الدولية في مجال الفضاء، فقد دخلت بإطلاق «خليفة سات» في أكتوبر 2018 عصر التصنيع الفضائي الكامل، وها هي تستعد الآن لإطلاق مسبار الأمل إلى كوكب المريخ، وتطمح في المستقبل إلى إيصال البشر إلى الكوكب الأحمر من خلال مشروع «المريخ 2117» الذي يجسد مساعيها إلى تحقيق الريادة في السباق العالمي في مجال استكشاف الفضاء خلال العقود المقبلة.