القضايا الصحية العالمية ليست جديدة في عالمنا المعاصر، فهناك سلسلة من الأمراض الطفيلية الغامضة والفيروسات الخطيرة التي تفشت قبل قرون بعيدة، منها ما تسبب في حرمان العائلات من العيش بحياة طبيعية ومنها من تسبب في موت ضحاياها، وللأسف لن تكون تلك الأمراض المستعصية آخر أحزان العالم، إلا إنه في الأزمات الصحية، يأتي دور الدولة الريادي في إشراك أفراد المجتمع على صناعة الحياة في جميع أنحاء العالم. فإن المجتمع المحصن الذي يمتلك القدوة الحسنة والأخلاق الفطرية السوية يتأثر إنسانياً أكثر من غيره، وذلك عند إدراكه بمعاناة الشعوب صحياً، بغض النظر عن اختلاف الأديان والثقافات أو المسافات الجغرافية. ولقد صاغت دولة الإمارات منذ تأسيسها معادلة إنسانية فريدة من نوعها على الرغم من وجودها في منطقة تعاني خطر الإيديولوجيات المتطرفة منذ عقود وتضررت من حروب إقليمية لا نهاية لها، إلا أن الإمارات حرصت دائماً على توفير حياة كريمة لكل إنسان يعيش على أرضها الطيبة ومد يد العون للمحتاجين خارجها.
مرض العمى النهري الذي سبق جائحة كورونا كوفيد19، يعتبر أحد الأمراض المدارية، وقد يطال مئات ملايين البشر ويتسبب في حرمان نعمة النظر للمصابين إذا لم يعالج في الوقت المناسب. وللإمارات أولوياتها الإنسانية التي لم تنساها أبداً ودورها في تعزيز الأمن المجتمعي وبث روح الطمأنينة لدى المجتمعات الأكثر ضعفاً وفقراً، حيث شهدت الإمارات إطلاق مبادرة «مدى» منذ شهر فبراير الماضي عبر مؤسساتها المعنية لجمع التبرعات من مختلف أطياف المجتمع بالشراكة مع القطاع الخاص بهدف مكافحة جميع الأمراض المدارية المهملة وتخفيف معاناة الشعوب المتضررة. وعلى الرغم من تزامن العمى النهري مع جهود الدولة في مكافحة انتشار كوفيد19، إلا إنها جددت حملتها لإنقاذ مليون شخص من العمى في سبع دول في الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال مبادرة شعارها «تبرع بدرهمين وأنقذ عينين» التي تستمر طوال شهر رمضان المبارك.
التضامن الإماراتي لم يتوقف عند الأساليب التقليدية مع شعوب العالم، وإنما دعت المشاركين لمبادرة «التحدي الرمضاني» إلى استخدام أساليب مبتكرة في التعبير عن دعمهم لمصابي مرض العمى النهري عبر منصات التواصل الاجتماعي، ما يبعث رسالة إنسانية إلى مجتمعات العالم مفادها التضامن الدولي أثناء الأزمات الصحية ضمن تعاون غير مشروط بأهداف سياسية أو أيديولوجية.
وفي تصوري، مجتمع الإمارات أسرة واحدة نواتها القيادة الرشيدة، وأن انفتاح الإمارات على العالم ومجتمعها المتسامح والمحب للشعوب كافة، عززا التلاحم المجتمعي من أجل تلبية نداء الإخوة الإنسانية في وقت قال فيه أمين عام الأمم المتحدة: «إن جائحة كوفيد19 تحولت إلى أزمة حقوق إنسان بعد رصد خطاب الكراهية ضد بعض المصابين، وعدم المساواة في توفير الخدمات الصحية».
وتمتلك الإمارات كوادر وطنية هائلة، كما تعتبر أكبر دولة مانحة للمساعدات الخارجية في مختلف القطاعات الإنمائية مقارنة بدخلها القومي الإجمالي، ونظراً لمكانتها وسمعتها الإيجابية بين الأمم، لن يكون ذلك مستغرباً أن يتعاظم دور الإمارات في تأسيس نظام عالمي أكثر تكاملاً وتنسيقاً للجهود الدولية في مكافحة الأمراض والأوبئة خلال الأزمات الصحية العالمية».

*باحث إماراتي في القضايا الجيوسياسية