في الزمن الطارئ الذي يعيشه العالم، فقد تخلى الزمن عن طاقته القصوى في السرعة المذهلة، وتخلص من أجنحته سريعة الطيران، وتحرر من تيار السرعة، وبات كمن يمشي على حبال زلقة، وهذه من محسنات الظرف الراهن، ولكي لا نتذرع بالضيق والكدر، كوننا أصبحنا ملزمين بالجلوس في منازلنا، حفاظاً على صحتنا، فإنه بات من السهل على كل فرد، أن ينهي حالة الذوبان في الزمن السريع، وأن نتجه إلى استغلال الوقت في القراءة، لإضاءة العقل بما يفيد، وما يوسع وعينا، ويجعلنا نعي أن الحياة تصبح جميلة، عندما نضعها في ميزان الاستثمار للوقت، والاستفادة من الفراغ الوسيع، الذي يمنحنا فرصة الاستراحة من الركض، واللهاث خلف مثيرات ذهنية، تضر ولا تفيد.
فهذه الجائحة بكل ما جلبته من عواقب وخيمة، فإننا نستطيع أن نجعل من الظروف العصيبة، ساعة للتأمل، والنظر إلى الحياة بعيون مكحلة بأثمد الحبر، والكلمات التي تجري بين السطور، كما هي جداول الماء، وكما هي النسائم بين أغصان الشجر.
نستطيع أن نجعل من الزمن لحظات مضيئة، بلا ملل، ولا وجل، ولا كسل، ولا كلل، نستطيع أن نعيش حياتنا بين أطفالنا، ونحن نرفل بابتسامة طفولية تشبه ابتساماتهم الصافية، نستطيع أن نملأ الحياة بالأمل، ونضخ من مشاعر الفرح ما يكفي لطرد العصاب القهري، وهزيمة الخوف من هذا الوهم الحضاري الذي قيل إنه المرعب.
لا نهون من المعضلة، ولكننا نقول: إن الإنسان بإمكانه أن يتجاوز حدود الألم النفسي، إذا تأزر بالإرادة، وطوق عنقه بقلادة الأحلام الزاهية، فالمعضلة سوف تمر، والحياة ستزهر، والأغصان ستورد، والنهر ستجري جداوله، وشلالات العذوبة سوف تستعيد قدرتها على منحنا رشفات الشهد، والعالم مر بكوارث أشد وطأة، واستطاع أن يقبل التحدي، وانتصر، وطوّر قدراته، وصار أكثر قوة ونجاعة، لأن الحياة أقوى من الموت، والإنسان صانع وجوده، ولا حياة تستمر باليأس والإحباط.
اليائسون، هم أموات بالفطرة، ولا مكان لهم بين الأحياء، لا مكان لهم بين محبي الحياة. الحياة هي أن نقبل بفكرة الموت، ولكن لا نعيشها، الحياة هي أن نشعرها أنها ليست النقيض للموت، بل إنها هي والموت طريقنا لحياة أشمل، وأوسع، وأجمل.
عندما نتقبل فكرة الموت، لا يصبح هناك خوف من الموت، بل تترعرع شجرة الحياة على أعقاب تلاشي فكرة الموت.
ومن يقرأ كثيراً، يشعر أن الحياة كتاب مفتوح، لا يغلق صفحاته خوفاً، ولا جزعاً من أي مجهول، القراءة حضور دائم في الحياة.