شاءت الأقدار أن يحل علينا شهر رمضان الفضيل هذه السنة، ونحن تحت حصار كورونا المستجد (كوفيد - 19)، والأغلبية قد يشعرون بأنها نقمة ولكنها في حقيقة الأمر نعمة من رب العباد، ليذّكر البشرية بأولوياتهم في هذه الحياة، ويذّكرهم بفضله عليهم وبأن الصحة هي تاج النعم، وليس المال والجاه والمناصب والوضع الاجتماعي وغيرها من الجوانب التي تقزمت أمام عملاق لا يُرى بالعين المجردة، وكائن ميت وبقدرة الله يحيا في الحي، فمتى يتعظّ الإنسان من صغر حجمه في هذا الكون وقيمته الحقيقية؟ وكيف ستساعد هذه الجائحة الإنسان لمراجعة نفسه والتقرّب من الأفراد الأهم في حياته، والتعرف على جوانب لم يتخيلها قط عنهم؟! ومتى يدرك أن تحقيق الذات الفردية ليس غاية الحياة الدنيا؟ كل ذلك يقودنا إلى ماذا وكيف يفكر العديد من التجار وأصحاب المتاجر الكبرى والصغرى في هذا الوقت من هذه الأزمة، ولماذا تتحول فئة من البشر إلى مصاصي دماء تتلاعب بالأسعار في ظل هذه الظروف الاستثنائية؟!
فما يحدث من ارتفاع مبالغ فيه للأسعار، يعد ضربةً موجعةً لمفهوم المسؤولية الاجتماعية لبعض التجار والشركات الكبرى والمستوردين، حيث وضعوا استراتيجيات عديدة لاستغلال الأزمة من خلال الاحتكار الفردي والجماعي والتخصصي، ورفع الأسعار قبل حلول شهر رمضان المبارك بأسبوعين في معظم القطاعات الاستهلاكية الإقطاعية لتجنب وصمة استغلال شهر رمضان لرفع الأسعار، والتي ارتفعت من 50% إلى 100% وأكثر في بعض الحالات الخاصة كالمواد الصحية، ناهيك عن نوعية المواد الطبية التي تستورد لإحداث الفارق، ولكنها قد تعمّق من الأزمة، وقد تعطل الجهود المبذولة في ظل صراع عالمي عليها، وبالمقابل لم يتم رفع الوعي بأهمية وقاية النفس من خلال نوعية التغذية التي من المفروض أن تستهلك على قدر التحدي، واستفاد التجار من التقارير المحلية والعالمية للاستمرار في تسديد ضربات الغلاء الموجعة، والتي بدأت في أول يوم لإعلان التدابير الحكومية، ومضاعفة أسعار المواد التموينية بشكل مفاجئ، وشكّل هذا الارتفاع بالأسعار عبئاً على الناس المرهَقة أساساً من تداعيات عديدة، وتحولت مخالفات التجار المخالفين والجشعين إلى مسرحية هزيلة، حيث إن الوقت ليس للعقاب بقدر ما هو وقت توفير اللازم من الاحتياجات للسكان.
فتجار الأزمات أو «أمراء اقتصاد الأوبئة» يعلمون بأن أمامهم فترات اقتصادية عجافاً، وبأن الجهات الرقابية المسؤولة عن ضبط الأسعار تقف في موقف الحائر بين حقوق المستهلك والوضع الاقتصادي العالمي، وتسهيل التجارة وسلسلة موارد التوريد، وجهودها لكبح جماح الجشع المتنامي للتجار، في حين أن الواقع يقول إن جنون ارتفاع الأسعار في تصاعد ورفع الأسعار موزّع بطريقة مضللة في مواد معينة ولطبقة معينة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى في بضاعة بعينها ضمن مثيلاتها من الفصيلة نفسها مثل الخضراوات، والمحصّلة النهائية أن إجراءات مسبقة كان من المفترض أن تتخذ، وأن يكون للدول مراكز تمويل تجارية اجتماعية للطوارئ كمساهمة عامة، حتى يتعلم التجار أن البدائل التنافسية متوافرة إنْ لم يلتزموا بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية نحو المجتمع، ولكن المصيبة عندما ينظر التاجر للمجتمع على أنه مجرد سوق! وأين هي محطات وتطبيقات الرقابة الذاتية والبيانات الدائمة المحدّثة لتمكين الجمهور كجزء من منظومة السيطرة طوال العام على جنون ارتفاع الأسعار!
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.