تكشف الأزمات معادن الأفراد وكذلك الشعوب والأمم، وهذا ما فعلته أيضاً أزمة انتشار فيروس كورونا، إذ أظهرت روح التضامن والشعور بالمسؤولية الإنسانية لدى البعض، كما أظهرت في ذات الوقت خبث أصحاب النفوس المريضة، وأولئك الذين يحتفلون بالأزمات، بما يكشف الأفق الضيق الذي ينظرون من خلاله إلى العالم من حولهم، بما في ذلك نشر الحقد والكراهية تجاه المحيط الجغرافي والاجتماعي الذي هم جزء منه، ولطالما استفادوا من خيره، لكن الحقد الأعمى عندما يصيب البعض يدفعهم إلى المزيد من الجهل، وإلى التعبير بنوايا سيئة عن رغبات تحمل الشعور بالتشفي وتمني الشر للآخرين.
وكما ظن بعض الجهلة وتجار الدين، أن انتشار كورونا نوع من العقاب لشعوب دون أخرى، فقد بلعوا ألسنتهم وصمتوا عندما انتشر الفيروس على المستوى العالمي دون استثناء، مما يثبت قوة الترابطات التي أوجدتها العولمة الاقتصادية في عالم اليوم.
وهذا يقودنا إلى بحث الآثار الاقتصادية المباشرة للحالة الصحية العالمية، ودورها في انخفاض أسعار النفط عالمياً، نتيجة لانخفاض الطلب وارتفاع المخزون وتضاؤل الاستهلاك، بالتزامن مع فترة إغلاق شملت أجزاء واسعة من العالم، لكن أصحاب الأفق الضيق وهواة نشر الأحقاد والتشفي، يحتفلون بل ويحلمون بأن هبوط سعر النفط سوف يستمر، وأنه في اعتقادهم عقاب مستحق لبعض الدول، رغم أن الإشكالية أصبحت عالمية، وتضررت شركات النفط الأميركية منها أكثر من تضرر نفط الخليج.
وبعيداً عن الخوض في تفصيلات اقتصادية، حول أسعار النفط والديناميكيات التي تتحكم في هبوط الأسعار وارتفاعها.. ما يلفت الانتباه هو ذلك التشفي الجماعي الذي اكتسح وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، وبأقلام وحسابات ينتمي أصحابها إلى دول شقيقة، لم يبخل الخليج عليها، ولم يكن مجبراً على تقديم العون لها كما يظنون، وتم ضخ المساعدات المباشرة لها على مدى العقود الماضية، وفتح الخليج أبوابه للعمالة منها لكسب الرزق والإسهام في نهضة الخليج وتبادل المنافع، ورغم ذلك يرتدي الكثيرون في الأزمات وبعض المواقف الطارئة وجوهاً كالحة، من دون أسباب أو دوافع تبرر لهم التحامل والإسفاف، سوى الاستجابة لموجة الحملات المغرضة ضد منطقة الخليج، وهي حملات مشبوهة لا تتوقف إلا لكي تعود من جديد، وكلما وجد مدمنوها مناسبة أو فرصة للإساءة والتعبير عن الكراهية، لا يدعونها تمر، من دون أن يشبعوا من الصراخ والعويل وإطلاق الشتائم والتأويلات الكاشفة لجهَلة ومأزومين لا يدركون أن في ازدهار الخليج فوائد كبرى لدول وشعوب المنطقة بشكل عام، ولنا في تجربة الإمارات خير مثال، إذا ما تأملنا بإنصاف سياستها في نشر الخير وتعميم المساعدات.
وفي وقتنا الراهن، تتنافس الدول على احتكار المعدات الطبية ووسائل السلامة، بينما تقوم الإمارات بإرسال شحنات المساعدة من هذه المواد شرقاً وغرباً، لتشمل دولاً من كافة القارات، ومعظم المساعدات أرسلت إلى دول في آسيا وأفريقيا.
وتشير أحدث إحصائية بشأن مساعدات الإمارات الطبية فقط، إلى إرسال أكثر من 270 طناً إلى أكثر من 26 دولة، لخدمة ووقاية حوالي 270 ألفاً من العاملين في المجال الصحي، ممن يشكلون خط الدفاع الأول، ما يجعلهم عرضةً لاحتمالات الإصابة بالفيروس أثناء التعامل مع المرضى، وما يزال إرسال شحنات المساعدات الطبية متواصلاً من الإمارات.
وبالعودة إلى التطاول على الإمارات ومنطقة الخليج عامة، نجد أن المحسوبين على جوقة الإسلام السياسي هم مَن يقودون طابور الحاقدين في مناسبات وأزمات كثيرة، ليكشفوا ما في أنفسهم من حقد فشلوا في التعافي منه.
*كاتب إماراتي