صدّعت رؤوسنا على مدى الأعوام الماضية المنظماتُ الدوليةُ الأجنبية المختلفة، بأنواعها وأصنافها (الإنسانية وغيرها)، والتي طالما شنّعت، في بيانات وتقارير، على معظم الدول العربية والإسلامية، في أوقات متفاوتة خلال مرحلة ما قبل كورونا، متهمةً في مزاعمها (ذات اللغة الغليظة واللهجة الحادة) هذه الدول بالتقصير والتراخي، مستهجنةً بعض الممارسات (إن وجد أقل القليل منها). كما اعتادت هذه المنظمات، صاحبة النظريات الباهتة والأصوات العالية، أن تدعي ادعاءات وتزعم مزاعم، مطالبةً بتطبيق العدالة والمساواة حفاظاً على حياة الإنسان وكرامته وسائر حقوقه، بغض النظر عن الجنسية والديانة والمعتقد.
واليوم، وبعد أن اجتاحت جائحة كورونا العالم بأسره، وعمّ وباؤها الذي ابتُلي به العالم كله، فأذهل وأدهش الدول العظمى وأذعنت له، وخيّم شبحه المخيف على البشرية وأرعبها، مما أوجد تداعيات خطيرة ومخيفة على اقتصادات دول العالم التي اجتاحها المرض الغامض، وشكل صدمة لشعوبها.. لا تكاد تسمع حساً لهذه المنظمات التي كان صوتها في الماضي هو الأعلى في توجيه الانتقادات والاتهامات (بالكذب والزور، طبعاً) للدول العربية والإسلامية.
ولم يستطع أحد أن يحدد مصدر فيروس كورونا المستجد، المسبب لمرض كوفيد -19، أو يكتشف سبباً لظهوره وانتشاره بهذه السرعة الكبيرة والخطورة الهائلة، مما أثار حالة من الخوف الأكثر فتكاً بالبشر إزاء عدو عديم الملامح، أخذ يتوغل في كل بلد وكل شارع وكل مصنع وكل بيت.. حتى أن بعض الدول أصبحت تتستر على إحصائيات الضحايا وأرقام الموتى فيها جرّاء الفيروس، وقيل إنها أخفتهم في مقابر جماعية بشكل سري.
وهناك في الجهة الأخرى من العالم مَن يتهم منظمة الصحة العالمية بالتواني عن دورها والتخلي عن المسؤولية المنوطة بها. لكن الواقع أن كثيراً من المنظمات الإنسانية والحقوقية انحسرت وتراخت وتلاشى دورها في ظل هذه الكارثة الإنسانية التي حلت بالعالم، ولم تطلب من الدول المتضررة، أو المناطق الأكثر تضرراً في العالم، نتائج الإحصائيات الحقيقية لديها للمصابين والقتلى جراء هذه الجائحة، والكشف عن أسمائهم وأعدادهم الحقيقية.
كل ذلك سمح بتكهنات متناقضة ومثيرة للشك والريبة، وأثار موجة من الهلع والرعب لدى سكان العالم قاطبة، لاسيما في ظل الوباء الذي أثقل كاهل المؤسسات الصحية وحمّلها فوق ما تستطيع، فنفدت موادها ومعداتها الطبية ومستلزماتها الصحية.
لقد بات كثير من المنظمات الدولية عاجزاً تماماً عن القيام بواجبه الإنساني حيال هذا الوضع الصعب، فوُجِّهت له تُهمٌ من بعض الدول بالتقصير في القيام بواجبه الإنساني.
لكن، في المقابل أدارت الدول الخليجية الأزمة محلياً ووطنياً بلا ضجيج، وحققت نتائج مرْضية لشعوبها، قياساً لغيرها من الدول الكبرى المتقدمة الأكثر تطوراً، والتي ضعُفت منظوماتها الطبية والصحية، بل انهارت بشكل سريع ومستغرب جداً.
وسوف يشهد التاريخ على كثير من دول العالم المتقدم، بعظمتها وعبقريتها وعلمها وخبرتها، بأنها وقفت عاجزةً أمام فيروس مجهري صغير لا يرى بالعين المجردة!

* كاتب سعودي