مع انتشار فيروس كورونا اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي مجموعة من الإجراءات والتدابير العاجلة لتقديم الدعم والمساندة لقطاع الأعمال والشركات والأفراد لمساعدتهم على التأقلم مع المستجدات التي برزت في أعقاب ذلك، والتي أوجدت أمامهم صعوبات غير مسبوقة، فأعلنت عن تقديم حزم مالية وتمويلات بعشرات المليارات من الدولارات، وألغت العديد من الرسوم على الخدمات، وقدمت تخفيضات في رسوم الكهرباء ومتطلبات الحياة الأساسية.
ومع ذلك، لا يزال هناك بعض الأدوات المالية التي يمكن أن تساهم مساهمة فعالة في التقليل من المخاطر التي سيتعرض لها قطاع الأعمال والأفراد، فضريبة القيمة المضافة على سبيل المثال تشكل أهمية كبيرة لدعم الأنشطة الاقتصادية، ومنحها قوة دفع في هذه الأوقات العصيبة، ما يستدعي إصلاح نظام هذه الضريبة وإعادة النظر فيه مؤقتاً، وهو ما تقوم به دول العالم في ظل الأزمات أو الركود الاقتصادي، إذ من الصعب أن ترى استمرار تطبيق نفس نسبة الضريبة دون تغيير لسنوات طويلة في هذا البلد أو ذاك.
لذلك، فإن أحد أهم أوجه الدعم الذي يمكن أن يساهم في سرعة استعادة القطاعات الاقتصادية لأنشطتها مع تراجع الفيروس يكمن في الإسراع في إصلاح هذه الضريبة لفترة الأشهر القادمة، على أن تتم مع اقتراب نهاية عام 2020 دراسة تجربة السنتين الماضيتين لتطبيقها، واتخاذ القرارات المناسبة من منطلق مبدأ «التكلفة والمنفعة»، خصوصاً أن عملية التطبيق الخليجية شابها بعض القصور والسلبيات إلى جانب إيجابياتها المهمة، باعتبارها أداة مالية تنموية لا غنى عنها، حيث يمكن تفهم نواقص التجربة الخليجية التي تعتبر الضرائب ضمن مستجدات أنظمتها الاقتصادية، كما أن إدارات الضرائب لا تزال بحاجة لاكتساب المزيد من الخبرات والتجارب.
ويمكن لتجربة تطبيق الضريبة على تجارة الذهب، ومن ثم إلغائها أن تكون مثالاً حياً على المرونة التي يمكن العمل بها أثناء إعادة تقييم التجربة، من هنا، فإن هذا الاتجاه الضريبي الحيوي يتطلب عملية إصلاح شاملة، كنسبة الضريبة وتصنيف القطاعات التي يمكن أن تشملها، والعلاقة مع الدول الأعضاء التي إما أنها مترددة أو قررت عدم تطبيقها، وما تأثير ذلك على بقية الدول المنضوية تحت السوق الخليجية المشتركة؟ ذلك إضافة إلى الكثير من التساؤلات والإشكالات والظروف الاقتصادية الحالية الصعبة، والتي أوجدت تعقيدات للعديد من الأنشطة الاقتصادية الحيوية والتي بحاجة إلى دعم إضافي يرمي إلى دعم أوسع لمشتريات الأفراد الاستهلاكية من خلال تعليق الضريبة على المواد الغذائية والمشروبات ودعم القطاعات الحيوية، من خلال التخفيض المؤقت لإنقاذ مئات المؤسسات التي تأثرت بقوة بسبب فيروس كورونا.
في مثل هذا التوجه لا بد للنظرة أن تكون شاملة للمكون الاقتصادي ككل، صحيح أن الدول ستفقد جزءًا من عائداتها الضريبية، إلا أن الصحيح أيضاً والأهم أن زيادة سرعة وتيرة تعافي القطاعات والأنشطة الفاعلة ستؤدي إلى عودة النمو الاقتصادي وتعافي الأوضاع الاقتصادية إجمالاً، وإلى زيادة قيمة الرسوم والخدمات التي تُحصلها الدولة حتى وإن كانت أقل من تحصيل ضريبة القيمة المضافة، إلا أن الأمر يتطلب في هذه الظروف عدم احتساب ما فقد، وما تحقق من عوائد والمقارنة بينهم بنظام محاسبي صرف بعيداً عن الجوانب الأخرى الأكثر أهمية، إذ إن المهمة الأولى والرئيسة في ظل الأوضاع الحالية تكمن في عودة الدورة الاقتصادية لطبيعتها السابقة، وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الشركات والمؤسسات الكبير منها والصغير وتسهيل مشتريات الأفراد، ما سيحقق مكاسب لا تُقدر بثمن يكمن أهمها في المحافظة على المكونات الاقتصادية، والحد من خسائر الوظائف، ووضع قواعد اساسية قوية لانطلاقة تنموية تتجاوز المصاعب الناجمة عن جائحة كورونا، وهو أمر في غاية الأهمية.
*مستشار وخبير اقتصادي