في بلد الخير تستثمر كل مواسم الخير لإسعاد الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض الطيبة، ولا تمرّ فرصة أو مناسبة إلا وتكون هناك بصمة لقيادتنا الرشيدة تؤكّد فيها نهجها القائم على الرحمة والصفح والعفو عن المخطئ حتى يؤوب عن خطئه ويثوب إلى رشده، ويعود إلى مجتمعه عضواً صالحاً يتفاعل معه ويسهم في خدمته، وينطلق بعد أن جرّب نتائج مخالفة القوانين واختبر عواقب التجاوز عليها نحو حياة جديدة قوامها الاستقامة وحب الوطن وإخلاص النية والعمل في سبيل نهضته وإعلاء شأنه، والولاء والوفاء لقيادته.
وفي هذا الإطار يأتي أمر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بالإفراج عن 1511 نزيلا من نزلاء المنشآت الإصلاحية والعقابية ممن صدرت بحقهم أحكام في قضايا مختلفة، بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وتكفله بتسديد الغرامات المالية التي ترتبت عليهم، وكذلك أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بالإفراج عن 874 نزيلاً من نزلاء المؤسسات الإصلاحية والعقابية في دبي من مختلف الجنسيات، ليمثل اغتناماً لنفحات الشهر الفضيل، واستلهاماً لتعاليم الدِّين الحنيف التي تدعو إلى التسامح والعفو والصفح الجميل، وتجسيداً للشيم العربية النبيلة والعادات الأصيلة في العفو عن المذنب وإغاثة الملهوف ومعاونة الغارم.
إن هذه المكارم السامية التي حملت للمشمولين بها بشارتين: الأولى هي الإفراج عنهم وتنسمهم هواء الحرية وعودتهم إلى أحضان أسرهم وصفوف مجتمعهم، والثانية رفع عبء وهمّ الدَّين والغرامات عن كواهلهم، هي بمنزلة ولادة جديدة وفرصة لا نظير لها لكل منهم ليبدأ عهداً مختلفاً يتجاوز فيه أخطاء الماضي وعثراته، ويستلهم الدروس والعبر من تجاربه السابقة، ويحرص على الاندماج في المجتمع والعودة إلى السلوك المستقيم، ويصبح في أيامه المقبلة فرداً صالحاً وعنصراً إيجابياً يتحمّل كامل مسؤولياته على أكمل وجه سواء تجاه أسرته التي هي في أمس الحاجة إليه أباً وابناً وأخاً وزوجاً، أو تجاه وطنه الذي ينتظر مشاركته في مسيرة تقدّمه بالعمل الجاد البنّاء.
إنها سنّة حميدة سنّها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان يحرص على اغتنام كل مناسبة للإحسان إلى الناس والتخفيف عنهم في كل جوانب الحياة، والأخذ بيد من غلبته الظروف ودفعته إلى مجانبة طريق الصواب عن غير قصد ومن دون إصرار، وحرص خَلَفه على الاقتداء بها حتى باتت المناسبات الدينية والوطنية في دولة الإمارات مواسم يتطلّع إليها التواقون للتوبة عن الخطأ، المتطلّعون إلى تدارك كبواتهم، وتنتظرها باللهفة والأمل والثقة بنهج العدالة والرحمة، أسر وعائلات، لتحقق أمانيها بعودة أبنائها إليها وتدخل السعادة والفرح والسرور إلى قلوب الأمهات والأبناء، وتمنح العائدين فرصة الاستفادة من فضائل هذا الشهر الكريم وخيراته وإعادة التفكير بمستقبلهم والعودة إلى الطريق الذي يضمن لهم حياة اجتماعية ومهنية ناجحة.
وفي الأثر الشريف عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أنّ «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم»، وهو حديث اتخذت منه قيادتنا الرشيدة أساساً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم وقاعدة تسوس بها شؤون شعبها من مواطنين ومقيمين، فسخّرت كل الإمكانات لإسعادهم ووجهت الجهود كافّة لتحقيق أرقى مستويات العيش الكريم، لهم ووصلت الليل بالنهار حتى لا يكون من بينهم صاحب حاجة لا تقضى حاجته، ولا يبيت بينهم جائع أو محتاج أو مظلوم، فكان أن بادلها شعبها الوفاء والولاء فحرص على الاستجابة لتطلّعاتها والعمل بتوجيهاتها وامتثال نهجها في بذل الخير وتحرّي مواسم العطاء، حتى صار مجتمع الإمارات جسداً واحداً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، ويُضرَب به المثل في التآخي والتسامح والتكامل والتكافل.
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، والإحسان يقتضي أن يحرص كل من شملته المكارم على ألا يخيِّب ظن الكرماء، وأن يتخذ من جميل صنيعهم منطَلقاً لكل ما يقول ويفعل.