لطالما كان نقص الغذاء مشكلة تثير اضطراب المجتمعات. ويمكن تقسيم دول العالم من حيث إنتاجها للغذاء إلى ثلاث فئات: دول تكفي نفسها بنفسها، ولكن ليس لها نصيب في التجارة العالمية، ودول أخرى لديها فائض في الإنتاج الزراعي عن حاجة سكانها، ودول يعجز إنتاجها الزراعي عن الإيفاء بحاجة سكانها، حيث كلاهما يتحكمان في تجارة المواد الغذائية الدولية، وتتأثر هذه الدول دون غيرها إذا تعرض الاستقرار العالمي للخطر.
ولا شك أن تموضع جائحة كورونا «كوفيد19» على خريطة دول العالم جعل من قطاعي الصحة والغذاء تحت مجهر الاختبار. وقد نتج عن الجائحة اختلال في موازين القوى، ولم يعد هناك مركز قوة قادراً على لعب دور محوري في احتواء الأزمة، وألقت التأثيرات بظلالها على انقسام مواقف الدول العظمى والاتحاد الأوروبي، باتجاه استيلاء بعض الحكومات على شحنات طبية، وربما شحنات غذائية يوماً ما.
على الرغم من المعطيات الجغرافية لدولة الإمارات في محدودية الموارد الزراعية والبيئة الصحراوية مع تأثيرات التغير المناخي وندرة الأمطار بطبيعة الحال، إلا أن الإمارات تميزت بطول سواحلها وإطلالتها البحرية على مضيق هرمز والخليج العربي، وقد استخدمت القيادة الإماراتية الرشيدة أهمية جغرافيتها في الاستثمار عبر عقود في بنية تحتية متميزة وموانئ ضخمة ومطارات وشبكات طرق تربط جميع أرجاء الدولة، مع منافذ برية واسعة مع دول الخليج العربي. ولقد عاني العالم من تهديدات ملاحية في مضيق هرمز، حيث شهدت الإمارات في عام 2019 أعمالاً تخريبية مجهولة المصدر لناقلات النفط قبالة ساحل ميناء الفجيرة المطل على خليج عُمان. وعلى الرغم من إمكانية حدوث ذلك على الإمدادات الغذائية، إلا أن الإمارات استطاعت أن تحتل المركز 21 بين 113 دولة في عام 2019 حسب مؤشر الأمن الغذائي العالمي وفقاً لمقاييس قدرة السكان على الشراء، ومدى توافر الغذاء وجودته، ما يؤكد سياسة خارجية ناجحة في تنويع مصادر استيراد الغذاء وضمان سلامة الممرات البحرية عبر انضمام الإمارات إلى التحالف الدولي لأمن الملاحة البحرية.
وكانت الإمارات سباقة في استشراف مستقبلها، باعتبار ملف الأمن الغذائي قضية وطنية تأتي ضمن الأجندة الوزارية منذ عام 2017. انتشار جائحة كوفيد19 والتحديات العالمية المسبقة في النمو السكاني وتحلية المياه ومعضلة هدر الغذاء، عمقت الأزمة على صعيد تجارة المواد الغذائية الدولية. فإن التأثيرات النفسية الخارجية للجائحة ساهمت لدى البعض في الشراء المفرط للغذاء، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار سلع غير أساسية. ولكن، ولله الحمد، فقد رزق الله الإمارات قيادةً استثنائية جعلت من الغذاء والدواء خطاً أحمر، حيث راهنت الإمارات على كوادرها الوطنية إدراكاً منها أن صمام الأمان ينبع من شعبها المخلص، كما أن الاستثمارات الإماراتية في البحث العلمي والابتكار والتكنولوجيا الحديثة للزراعة المحلية، وتجنيد مواطني الخدمة الوطنية في تشغيل المنشآت الغذائية، إلى جانب إصدار قانون المخزون الاستراتيجي، جميعها إجراءات وفرت فرص الحصول على الغذاء لكل الناس وفي كل الأوقات. ولأن الخير في الدار، فإن المخاطر ضئيلة، وبالنسبة للإمارات، من المتوقع أن يمثل القطاع الزراعي في المستقبل حصة كبيرة من اقتصادها غير النفطي، من غذاء الدار إلى العالم، وسيكون للغذاء الإماراتي نصيب في استقرار أمن الدول الشقيقة والصديقة.

*باحث إماراتي في القضايا الجيوسياسية