«حين يتعلق الأمر بالأمن القومي لا تحدثني عن حقوق الإنسان»، جملة شهيرة نُسبت لديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، في أعقاب تعامل قوات الأمن العنيف مع المحتجين في لندن في عام 2011، وبغض النظر عن صحة هذه المقولة أم لا أثبتت الوقائع مدى ازدواجية تلك الجملة، أوضحت مدى ازدواجية المعايير لدى النظم الديمقراطية الليبرالية. في أوقات الرخاء والسلم توعظ الآخرين بمبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير، لكن في أوقات الأزمات تتلاشى هذه المبادئ، وفي الوقت نفسه تخفق في إيجاد حلول مجدية، وقد كشفت أزمة كورونا ذلك بشكل أكبر.
نجد كندا في ظل مواجهة كورونا، والحدّ من عدد الوفيات والإصابات على أراضيها والتداعيات الاقتصادية التي حلت بها نتيجة لهذه الأزمة، تراجعت عن تجميد صفقة أسلحة للسعودية، بسبب اتهامات ومزاعم كندية للسعودية بتجاوزات في مجال حقوق الإنسان. الآن، ومع اشتداد هذه الأزمة، تذكرت كندا الشرط الجزائي بقيمة 14 مليار دولار كندي (10 مليارات دولار أميركي)، ونسيت ما تشدقت به عن حقوق الإنسان، مما يثبت عدم مصداقية هذه الأنظمة عندما تتحدث عن هذه المبادئ والمثل، وأنها مجرد لعبة سياسية تختفي مع الأزمات الكبيرة.
كذلك شاهدنا في أزمة كورونا، اهتزاز ثقة الشعوب الغربية بحكوماتها الليبرالية بسبب عدم توفير الرعاية الصحية الجيدة، كما فشلت في إدارة الأزمة المالية العالمية عام 2008، وقيام معظم الشركات بنقل مصانعها إلى الصين، وغيرها من دول العمالة الرخيصة مما زاد نسبة البطالة، وقد ازداد الأمر سوءاً عند توافد اللاجئين، الذين يقبلون العمل بأجور متدنية للغاية، وكذلك الهجرة غير المقننة، والتي أدت إلى ازدياد العمليات الإرهابية وجرائم الاغتصاب، وكثير من الانتهاكات والجرائم التي يتكتم عليها الإعلام الليبرالي، لكي يخفي حقيقة إخفاق هذه الحكومات.
لذلك تتصاعد الأصوات ما هو الأفضل في حل الأزمات، هل هي البراجماتية pragmatism أو المثالية Idealism؟ يركز القادة البراغماتيون على الجانب العملي «كيف نقوم بذلك»، لتحقيق الهدف بغض النظر عن أي اعتبارات مثالية، أما القادة المثاليون، فينظرون إلى الأفكار الكبيرة والنتيجة النهائية أكثر من المسار، ومن خلال عدة شواهد، يتضح للشعوب أن المثل تتراجع في أوقات الأزمات، والمطلوب هو القيام بعمل براغماتي يخدم المواطن وليس مجرد شعارات، لذلك يرى المواطن الأوروبي ومعظم القواعد الجماهيرية تلك التيارات السياسية اليسارية، بأنها ذات مواقف ضعيفة، وسبب في تراجع القوى الغربية أمام الصين، بعدم قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة، وفي المقابل نرى تصاعد أسهم التيارات اليمينية أو البراغماتية، لأن خطابها يمس العامة بعيداً عن تعقيدات خطب النخب اليسارية.
فالآن، كل دولة أوروبية تلقي باللوم على بعضها، بأن كل دولة هي السبب في العدوى التي وصلت إليها، وجميعهم يلقون باللوم على حكومة إيطاليا، لتهاونها في التعامل مع الأزمة في بداية الأمر، لذلك أغلقوا الحدود معها، وفي أميركا، ترك الحزب «الديمقراطي» والتيارات اليسارية كيفية مواجهة هذه الأزمة الكبيرة، وإعطاء حلول جذرية عملية تخدم المواطن الأميركي، وذهب بإلقاء اللوم على ترامب، لوصفه للجائحة بـ«الفيروس الصيني».
إن المواطن والناخب العادي في وقت الأزمات تحديداً لا يهمه ما تصيغه الحكومات، وما تقدمه من شعارات ومُثُل، بل يريد تقديم خدمات براغماتية تنقذه من الأزمات، خاصة المتعلقة بالصحة والاقتصاد.

*باحثة سعودية في الإعلام السياسي.