لطالما أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة ثقافة العمل التطوعي، باعتباره أحد الأركان التي تعزز من قيم الإنسانية وتُبقي الأفراد والمجتمعات والمؤسسات على اتصال مباشر بهموم المعوزين وحاجاتهم الأساسية، حيث لا عيْش للبشر إلا بالتضامن والتعاضد والتكاتف والوقوف صفاً واحداً في وجه الفقر والحاجة، حتى يتم ترسيخ وتعزيز التنمية المستدامة، وبناء مستقبل أفضل للأجيال الجديدة.
وجاء اعتماد مجلس الوزراء مؤخراً، برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تشكيل اللجنة الوطنية العليا لتنظيم التطوع خلال الأزمات، التي يرأسها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، ليكون إحدى أدوات المأسسة والتنظيم للعمل التطوعي الذي يجب ألا يتوقف، حيث يهدف تشكيل اللجنة إلى تطوير منظومة متكاملة ومستدامة للعمل التطوعي، وذلك في إطار الجهود الحكومية لدعم العمل التطوعي وتقديم الدعم المطلوب للمتطوعين وجهات التطوع، وتنسيق العمل فيما بينهم خلال الأزمات في الدولة.
وتمتد قيمة وممارسة التطوع في دولة الإمارات إلى الفضاء الإلكتروني، والتي بدأ التركيز عليها منذ عام الخير، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في عام 2017، إذ اعتُبِرت المنصة الوطنية للتطوع «متطوعين.إمارات»، أحد أهم محاور ذلك العام، بوصفها منصة ذكية تم تطويرها بهدف توسيع نطاق العمل التطوعي وترسيخ مفهوم المسؤولية المجتمعية وإيجاد منظومة للعمل التطوعي، متكاملة ومستدامة، ولأجل ذلك ستقوم اللجنة الوطنية العليا لتنظيم التطوع خلال الأزمات بتفعيل «متطوعين.إمارات»، كمنصة رئيسية لاستقبال واعتماد طلبات التطوع، والإشراف على المتطوعين، وضمان صحتهم وسلامتهم وتقديم الدعم اللازم لهم، والتنسيق مع الجهات المعنية لتوحيد الحملات التطوعية خلال الأزمات.
ولأن التطوع يعدّ إحدى أهم ركائز التماسك المجتمعي والتلاحم الوطني، فقد أطلقت دائرة الصحة -أبوظبي، قبل أيام، المنصة الرقمية الجديدة «نظام إدارة القوى العاملة الصحية في أبوظبي» لإتاحة الفرصة للعاملين في القطاع الصحي، الراغبين في المساهمة أو تعزيز مساهمتهم في الرعاية الصحية للتسجيل فيها، بحيث يتم توفير بياناتهم للمنشآت الصحية، وتمكين من لديه الوقت للعمل بساعات إضافية، من التطوع لدعم جهود الكوادر الطبية العاملة في الإمارة، وتوفير الوظائف التي تناسب كفاءة المتقدمين والوقت الذي يمكنهم توفيره للتطوع، بدوام كامل أو جزئي، وفق شروط طبية معتمدة. وفي نهاية مارس الماضي، كانت جمعية «إمارات العطاء» قد أطلقت مبادرة مبتكرة للتطوع عن بعد في بادرة تعدّ الأولى من نوعها في الدولة، لمواصلة مساعدة الفئات المستهدفة وترسيخ ثقافة العطاء والعمل التطوعي من خلال استقطاب الشباب للمشاركة في عملية التنمية الشاملة والمستدامة، في مجالات الصحة والتعليم والبيئة والثقافة، باستخدام أحدث التقنيات التكنولوجية التي تتيح الفرصة لآلاف الجنسيات للمشاركة بأفكارهم وإبداعاتهم إلكترونياً عبر شبكة الإنترنت العالمية، حيث جاءت هذه المبادرة بعد نجاح مبادرة التدريب الطبي التخصصي عن بُعد، الذي قدم نموذجاً مبتكراً لرفع جاهزية الكوادر التخصصية والمجتمعية لمجابهة الأوبئة، محلياً وعالمياً.
لقد أدركت دولة الإمارات، أنه في ضوء الأولوية المعطاة حالياً لحماية صحة الأفراد وتأمين سلامتهم، أهمية تأسيس المنصات التطوعية، فليس بالمال وحده يحيا الإنسان، إنما بالضمائر الحيّة التي تشعر بحاجة الآخرين إلى الطبابة والعناية والرعاية، فالصحة الإنسانية لا تضاهيها أي قيمة، وهي الركن الأول لحياة آمنة، وقيمة التطوع هي الأسمى لدى دولة الإمارات وشعبها، الذي يصرّ على الوقوف إلى جانب قيادته ومؤسساته في وجه هذه المحنة العالمية، من خلال تقديم كل صنوف الدعم والمساعدة لمن يحتاج إليها عبر تنظيم حملات تطوعية مُمَأسسة وقادرة على الوصول إلى مستحقيها في كل مكان.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.