اليمن حالة خاصة من الأزمات في العالم، فالتداخل في المشهد اليمني بين المذهبي والقبلي وكذلك التقاطعات الإقليمية، أوجدت هذه الحالة الاستثنائية من الأزمات الدولية، وفيما يظل الهاجس في فكرة تغيير التوازنات القائمة لتحقيق خرق، يمكن من خلاله إيجاد مخرج لأزمة طالت واستفحلت، وازدادت تعقيداتها مع سنوات الاحتراب.
قبل أن تعلن قيادة التحالف العربي قبولها بوقف إطلاق النار في اليمن بساعات قليلة، كان هناك انشقاق في صف الحكومة اليمنية، وصل إلى تبادل الاتهامات بين وزراء الحكومة الشرعية، وإن كان ليس بالجديد تفكك المؤسسة السياسية الشرعية، غير أن الجديد هو أن الشروخات الأخيرة وقعت بعد أن تهاوت جبهات القتال ضد الحوثيين، وتغيرت بشكل كامل التوازنات العسكرية على الأرض.
الأمم المتحدة تريد أن تحقق من رعب كورونا كسر حالة الجمود في المسار السياسي اليمني، هذه الرغبة ليست بالجديدة، بل هي متواصلة منذ انقلاب الحوثيين في سبتمبر 2014. فالمنظمة الدولية تحاول استعادة واستكمال العملية السياسية المحددة بموجب المبادرة الخليجية.
الحوثيون أفشلوا، عمداً، كل المحاولات الأممية، بإصرارهم على أنهم يمتلكون الشرعية السياسية، وبرغبتهم في تصوير الحرب على أنها حرب يمنية سعودية. هذه المنهجية الحوثية تسببت في إفشال مباحثات جنيف عام 2015، وكذلك دمرت التوافقات التي توصلت إليها الأطراف اليمنية في مفاوضات الكويت عام 2016.
التعنت الحوثي يقابله فشل سياسي واقتصادي وعسكري في حكومة اليمن الشرعية، وهو خلل مستدام تأكد في اتفاق السويد حول الحديدة، إذ لم تنجح الحكومة اليمنية في انتهاز الضغط العسكري في تلك الحرب، وعجزت عن أن تحول مكتسبات الحرب لموقف سياسي تفرضه على الانقلابيين. الفشل السياسي انعكس على كل المشهد، فقد شرعن اتفاق السويد وجود الحوثيين كطرف سياسي، بعد أن كانوا طرفاً منقلباً على الشرعية الدولية وقراراتها المرجعية.
الأمم المتحدة تحاول، فقط، المحافظة على تثبيت وقف إطلاق النار في إطار منهجية حل الحروب الأهلية، وللمنظمة تجاربها في هذا المجال، لكن في الحالة اليمنية يجب أن يترافق وقف إطلاق النار مع أفق سياسي يضع مخرجاً أو مساراً للأطراف اليمنية، كي تخرج من نطاق الحرب إلى التسوية السياسية. وهنا، لابد من الإشارة إلى أن فرصة وحيدة كانت مواتية لليمن، عندما طرح وزير خارجية الولايات المتحدة السابق جون كيري خطة للحل السياسي، كادت تكون الضوء في نهاية النفق.
أفشلت الحكومة اليمنية تنفيذ اتفاق الرياض، الذي كان سيكفل إعادة هيكلة المؤسسة السياسية اليمنية وتخليصها من سيطرة «حزب الإصلاح» (فرع تنظيم «الإخوان» في اليمن). وبعدم تنفيذ اتفاق الرياض، يكون التوافق على حلول سياسية مرتبطاً بمدى ما يمتلك كل طرف على الأرض؛ ففي الشمال يظل الحوثي مسيطراً، بينما المحافظات الجنوبية تحت سيطرة إخوانية، مما يؤسس لخطر مخيف، في حال تمت التسوية السياسية وفق هذا الواقع.
ونشوء دولة طائفية في شمال اليمن، يعني تشكيل تهديد سياسي واجتماعي لكافة دول شبه الجزيرة العربية، أو التأسيس لدولة موالية للنظام التركي، ويفتح الأبواب لأطماع أردوغان في خليج عدن.. وهذه المخاطر المحدقة تستلزم خطوة استباقبة، بإعادة إحياء دور الرباعية الدولية (السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة) لضمان عدم التفريط في مكتسبات حرب عاصفة الحزم، التي تتمثل حالياً في تأمين خليج عدن وباب المندب وسواحل بحر العرب والبحر الأحمر. كما أن ما تم تحقيقه في مجال مكافحة الإرهاب لا يجب التهاون به وتضييعه عبر تسوية سياسية مبهمة.

*كاتب يمني