في كل أزمة أو كارثة هنالك فرصة يمكن استثمارها لجعلها نافعة، وكثيرون يعتبرون هذه النظرة سليمة وعملية. فجائحة كورونا التي تجتاح العالم وتضرب الأرواح، ثمة من يجد بين الدموع والآلام والأحزان ما يمكن أن يكون إيجابياً، أن يكون فرصةً يمكن استثمارها بما يجبر كسر البشريّة. فما هي هذه الفرصة؟ وما هي تجلياتها على الأرض؟ وهذه الفرصة يمكن للمرء اكتشافها بالتركيز وكثير من التفاؤل، ففي نظرة سريعة على ملامح صورة لقارة أوروبا التقطها القمر الاصطناعيّ بين شهري يناير ومارس الماضيين، بيّنت بوضوح كم أصبحت القارة العجوز، شابة، نظيفة وجذابة في شهر مارس، بعدما كانت في شهر يناير (مُجعّدة) وملوثةً بكم هائل من الغازات الخانقة، وأكيد لو أن القمر الاصطناعيّ التقط صورة مشابهة لكوكبنا، لتبينا كم أصبحت أرضنا نظيفة وجميلة ومغرية تستحق الحياة عليها، فطبقة الأوزون تحسّنت بنسبة مفرحة، والبيئة تنقّت من شوائبها التي تسببنا بها.
هذا كله يجعلنا نجرؤ على القول إن كورونا قد حقق لنا ما فشلت في تحقيقه دول كبيرة انسحبت من اتفاقية المناخ للحد من انبعاث الغازات الدفيئة. وحتى الأشجار الخضراء على جنبات الطرق الرئيسية الخارجية والداخلية في المدن، عاد إليها اللون الأخضر واستعادت نضارتها بسبب قلة المركبات النافثة للموت الأسود من عوادمها، وحتى الشوارع أصبحت أنظف، والهواء أنقى لارتفاع نسبة الأوكسجين. قال لي طبيب في الإمارات، إن في عملية تعقيم الشوارع التي تقوم بها الدولة، ومعها عدد من دول العالم، هي تقضي على انتشار فيروس كورونا ومعه العديد من أنواع البكتيريا الضارة التي تعترض صحتنا، ولم تكن مقصودة في الأساس قبل اليوم. أما نحن البشر، وعبر تغيير بعض عادات العناية بصحة أبداننا، أصبحنا أكثر نظافة، وامتدت النظافة لتشمل منازلنا وسياراتنا وسائر الأدوات والأجهزة التي نستخدمها على نحو يوميّ. وأصبحنا أكثر معرفة بالطعام الذي يجب تناوله، وأكثر مهارة في تدبّر شؤون حياتنا، وأكثر اقتصاداً من ذي قبل، خصوصاً بعد أن رأينا النعم تتسرب لخارج دائرة الإمكان ونفقدها، لتكتسب في غيابها لمعاناً جديداً، كنّا لا نحس بها ولا نمنحها قدرها، فالخروج للقاء أصدقاء في المقهى كان نعمة كبيرة، واصطحاب أفراد الأسرة إلى مطعم على الشاطئ أيضاً كان نعمة، وممارسة الجري مع الشباب في الملعب القريب من الحي كانت جرعة سعيدة تمنح الحيوية وتجلب السعادة.
البشر أصبحوا اليوم أكثر معرفة بنقاط ضعفهم الروحية والنفسية والبدنية، فوجدتهم يعملون على تحسينها لجعلها أقوى لمقاومة أي تحدٍ جديد، وأصبحوا أكثر ثقافة من قبل ليس فقط بما يخص الصحة والغذاء، بل بأمورٍ أهم بكثير: عرفوا أهمية الأطباء والممرضين، الصيادلة والباحثين المخبريين، العلماء، المعلميين والتربويين، رجال الأعمال الوطنيين، أفراد الشرطة والأمن، وعمال البيئة والنظافة،، هؤلاء كانوا نجوم الأمل في فضاء الجائحات. لقد كان لوجودهم المعلن والخفي، كبير الأثر في نفوس الناس الذين دوهموا أول الأمر بالحيرة والخوف نتيجة للأخبار السيئة وفوضى المعلومات والنصائح الخاطئة. إن جائحة كورونا جلّست البوصلة لدى البشر لتصبح الرؤية لديهم أكثر وضوحاً، لتذكّرهم على مستوى الكوكب بضرورة العمل على إغناء الروح والنفوس بالإيمان والعودة إلى الله بقلوب سليمة، وإن التعاون حول العالم هو السبيل الوحيد والأضمن للانتصار على الجائحة وأية كارثة أخرى مقبلة.
*إعلامي وكاتب صحفي