في‎ الخامس من يونيو عام 1947، وفي خطاب أمام جامعة هارفارد، أعلن وزير الخارجية الأميركي وقتها، جورج مارشال، والذي شغل من قبل منصب رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية، عن مشروع اقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب. كان‎ المشروع الأميركي في حقيقة الامر، طوق نجاة للأوروبيين ، فقد خرجت القارة العجوز من الحرب منهكة، محطمة، نفسياً ومادياً ، فيما كان نجم أميركا الفتية يرتفع في أعلى عليين نحو السماء. ما الذي يستدعي الاشارة إلى هذا المشروع العملاق في الوقت الراهن؟ حكما‎ ما جاء في مقال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر عن أحوال العالم الاقتصادية ما بعد فيروس كورونا، والحاجة الأممية الماسة إلى برنامج آخر جديد، يتفق في المضمون ويختلف في التوجه، ما الذي نعنيه بذلك؟ أما المضمون فهو موصول بالانهيار الاقتصادي الرهيب الذي ضرب العالم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهي عمر الفيروس المتوحش الضاري، والذي لم يبلغ ذروته بعد في دول تعد مراكز متقدمة للاقتصاد العالمي، لا سيما المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية.
‎ فيما التوجه هذه المرة فإنه لا يتعلق باوروبا بمفردها، بل بالعالم كله، والذي أضحى في حاجة ماسة إلى روافعة اقتصادية كونية، تنتشل العالم من وهدة الركود والتضخم، وتنقذ الملايين من براثن البطالة والفقر.
نظرة‎ كيسنجر، يمكن تصنيفها ضمن سياق النرجسية المستنيرة، فحتى لو ذهب الرجل في طريق يحاول من خلاله الابقاء على أميركا أولاً، عبر القوة الاقتصادية، فإنه هذه المرة يأخذ في اعتباره محددات العولمة التي جعلت تشابك قضايا وصالح ومصالح بقية دول العالم أمرا لا بد منه، فالنجاة في هذه الآونة لا يمكن أن تكون فردية، فأما الجميع يصل بر الأمان معاً، أو يغرق قارب البشرية بمن عليه.
يعن‎ لنا في هذا الإطار التساؤل :«ألا يمكن أن تعد لحظة كورونا وآلامها نقطة انطلاق لمشروع مارشال عربي – عربي موحد؟».
‎ من متناقضات القدر أن فكرة السوق العربية المشتركة، قد سبقت تاريخياً نظيرتها الأوروبية، وتكاد الأخيرة تذهب بها رياح كورونا العاتية. هنا والآن، يتساءل العقلاء والحكماء :« لماذا لا نجعل من الليمون اللاذع شراباً حلو المذاق»، كما علمنا «ديل كارنيجي»، أبو علوم التنمية البشرية، بمعنى: لماذا لا تكون أزمة كورونا المستجد بداية لتفكير جدي وجديد حول شكل من أشكال مارشال العربي.
أثبتت‎ التجربة الأخيرة للفيروس القاتل أن المنفعة المتبادلة هي التي تحدد علاقات الأمم والشعوب، والعالم العربي بغناه المالي والإنساني، قادر على أن ينهض عبر خطة تحفز الهمم، وتدفع في إطار التنمية والعمران وتبادل الخيرات وبناء منظومة اقتصادية مغايرة . اللحظة تاريخية، وقيام تكتل عربي اقتصادي أمر ممكن، بل محبوب ومرغوب، هل توجد إرادة لمارشال عربي في هذه الأوقات؟
*كاتب مصري