كانوا يقولون لنا، مع التطور التقني والصناعي والتكنولوجي والرقمي السريع والمذهل: سوف نصنع لكم سيارات لتفادي الزحام من كثرة السيارات والبشر في شوارع المدن المكتظة بالسكان، وبضغطة زر يكون المرء في الضفة الأخرى.. ونحن مصدقين وفرحين بهذا التطور الجديد القادم، لكي نصل إلى أعمالنا ومنازلنا بسرعة مذهلة! لكن ها هي الطائرات أضحت جاثمة بالمطارات، ونحن قابعون في بيوتنا لا نستطيع التحرك خارجها خوفاً من العدوى بفيروس كورونا اللعين!
وقالوا لنا إنهم صنعوا طائرات أسرع من الصوت، وإن السفر إلى القمر متاح ولو بتذكرة مكلفة جداً، بل ثمة مؤسسة متخصصة يمكن أن تعيد المتعاقد معها إلى الحياة مجدداً بعد موته ليبدأ رحلته مرة أخرى. وقد قرأت لأحدهم أنه اتفق مع المؤسسة المذكورة، مقتنعاً بأنه سيعود للحياة مجدداً، فهو بعد تجاوزه الثمانين ما تزال لديه الرغبة في إعادة فرمتته من جديد، وكان يتباهى بالفكرة معتبراً أنه أذكى الناس لحصوله على ذلك العقد السعيد من مؤسسة تدعي إعادة الحياة!
والآن هناك ما يشبه إعادة هيكلة الكون مجدداً، وليعتبر المعتبرون! فمن كان يُصدّق أن وفداً إيطالياً موجوداً في الصومال انتهت إقامته، لكنه رفض العودة إلى بلاده طالباً من الحكومة الصومالية تجديد إقامته مخافة مرض كورونا المتفشي في إيطاليا؟
ومَن كان يصدق أن رئيس وزراء صومالي ترك الصومال ليعيش في بريطانيا بعد انتهاء مدة رئاسته، يجد نفسه هناك مع فيروس كورونا المرعب، ثم يخفق في محاولاته العودة إلى الصومال؟
ومَن كان يُصدّق أن الجدار العازل الذي أقامه ترامب بين أميركا والمكسيك لمنع الهجرة غير الشرعية نحو بلاده، ستقوم المكسيك بقفله من ناحيتها رافضةً دخول الأميركيين إليها مخافة فيروس كورونا المتفشي في الجارة الشمالية؟
ومَن كان يُصدّق حتى قبل عدة شهور من الآن أن مراكب الهجرة غير الشرعية القادمة إلى إسبانيا من أفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط، ستبحر في الاتجاه المعاكس هرباً من الموت إلى بلاد العرب الأكثر طمأنينة؟
ومن كان يُصدّق أن شعب الدولة الأقوى عسكرياً واقتصادياً والأكثر تقدماً في العالم، سيملأ الرعب قلوبهم من فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة، بعد أن كان لسان حالهم يقول دائماً: لن ترهبنا قوة في العالم مهما يكن حجمها وتكاثرها؟
ومن كان يُصدّق أن الطبيب الذي يُعالج المريض من الفيروس، سرعان ما يموت هو أيضاً لعدم وجود مصل أو عقار لمواجهة الفيروس؟
ومن كان يُصدّق أن الجيوش التي تحتفل بالنصر العظيم في أرض بلد آخر، تَفرُّ اليوم بعساكرها من على البواخر والبارجات والفرقاطات البحرية، خوفاً من فيروس مجهول الهوية والمنشأ؟
ومن كان يُصدّق عودة أطباء العالم إلى المطالبة بكل ما هو طبيعي في العلاج الشعبي، بل إن أطباء غربيين يتحدثون عن فوائد العسل والثوم والبصل والزنجبيل؟
سبحان المغير من حال إلى حال، والذي لا يتغير شيء إلا بأمره وحده لا شريك له. فبعد أن كانت السماء تكتظ بطائرات الركاب وطائرات الشحن كأسراب الجراد، والأرض تئن من كثرة الشاحنات والقاطرات والقطارات والمصانع، والبشر الذي لا يتوقف عن النشاط والإنتاج، والبحار تعج بالبواخر التجارية المحملة بالبضائع من كل صنف ونوع، والفرقاطات المحملة بالطائرات الحربية المدججة بالصواريخ الموجهة الذكية.. كل ذلك يتعطل ويتوقف بسبب كائن مجهري صغير لا أحد يعرف هويته ولا منشأه؟

*كاتب سعودي