من الملفات التي فتحها تفشي فيروس كورونا على المستوى العالمي، التساؤل بشأن مصير الاتحاد الأوروبي، خصوصاً مع بروز انقسامات داخله، حول فاتورة مواجهة كورونا، وتقاسم الأعباء المالية لعملية الإغلاق، وما ترتب على تجميد الإنتاج من خسائر، والتزامات تجاه شرائح واسعة من العمال والعاطلين، وتحديداً في دول جنوب أوروبا، التي تواجه مصاعب أكبر من دول الشمال الأوروبي الغنية.
وبعيداً عن تفاصيل الأزمة الراهنة التي تعصف بالاتحاد من داخله، يذهب البعض إلى تحليلات تتصل بهشاشة بنيان الاتحاد منذ تأسيسه، وفشله طوال العقود الماضية في الانتقال إلى اتحاد فيدرالي أكثر صلابة من الشكل القائم حالياً، والأقرب إلى الملمح الكونفدرالي المفتقر إلى مركزية سياسية فاعلة.. وهو ما جعل مشروعات الاتحاد على صعيد العملة والاقتصاد، تواجه اختلالات بنيوية، سببت ارتفاع تكاليف المعيشة في كثير من الدول الأعضاء، وخاصة التي انضمت لاحقاً إلى الاتحاد، بعد أن كانت محسوبة على أوروبا الشرقية، التي كانت واقعة تحت هيمنة الاتحاد السوفييتي قبل تفككه.
وإجمالاً، كشفت الأزمة الحالية أن الاتحاد بين دول أوروبا لم يكن مثالياً كما كانت الصورة التي روج لها الإعلام، ولم يتطور الاتحاد الأوروبي إلى مستويات تمنعه من احتمالات التفكك، بدليل الخلافات التي أصبحت تلازم نتائج اجتماعاته ومناقشاته حول الجوانب المالية والاقتصادية.
الأمر الآخر الذي لا يمكن تجاهله، هو تزايد قوة الأحزاب اليمينية المناهضة لاستمرار أوروبا من دون حواجز حدودية، ومع خروج بريطانيا بشكل نهائي من الاتحاد مطلع العام الجاري، أصبح لدى اليمين الأوروبي الشعبوي مثالاً يقتدي به، إذ بات دعاة الاستقلال يعتبرون ماراثون البريكست الذي خاضته بريطانيا أنموذجاً مشجعاً.
إحصائياً، بلغ عدد دول الاتحاد الأوروبي 27 دولة بعد انضمام كرواتيا في 2013، ورغم أن الإعلام الدولي كان ينظر إلى أوروبا باعتبارها كتلة اقتصادية وقوة سياسية واحدة، فإن وهم الانسجام سقط سريعاً بالتزامن مع محنة تفشي فيروس كورونا، ومما ساعد على تباعد المواقف وبروز السباق المحموم من أجل التخلص من الوباء بعيداً عن التنسيق الجماعي، أن بنية الاتحاد الأوروبي أظهرت الضعف الكامن بداخل الكيان، فيما نقلت الخلافات المالية، المتواصلة بين الدول الأعضاء، صورةً سلبية عكست ضعف أوروبا أمام الصدمات القوية، إضافة إلى نمو وتمدد النفوذ الصيني والروسي، مما أظهر الطرف الأوروبي في حالة أدنى من القوى الصاعدة والمنافسة بشدة للقارة العجوز.
ولا ننسى أن الاختلافات الثقافية لم تساعد الأوروبيين على تحقيق تفاهم مثالي، إذ ما تزال الخصوصيات الثقافية تنعكس على طرائق التفكير تجاه مبادئ جوهرية في الاقتصاد، وكيفية مواجهة الأزمات، بعيداً عن اللجوء المتكرر للاستدانة كما تفعل بعض دول الاتحاد.
وبالنظر إلى أنه لكل حضور اقتصادي، ما يعادله من النفوذ السياسي الذي يقتطع من نفوذ القوى القديمة، فقد أدى اكتساح المنتجات الصينية للعالم إلى إظهار أوروبا في السنوات الأخيرة وكأنها في حالة العد التنازلي لتلاشي نفوذها واتحادها، وبخاصة مع صعود رئيس شعبوي إلى الحكم في الولايات المتحدة، حيث كان ترامب سعيداً للغاية بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لرغبته في أن تتعامل أميركا مع دول أوروبا بشكل منفرد، ولا يفضل عقد صفقات واتفاقيات تجارية تحكمها قواعد السوق الأوروبية المشتركة.. الأمر الذي جعل من ترامب أيضاً أحد خصوم أوروبا الموحدة، ويضاف إلى ذلك ما تقوم به الصين وروسيا، ويصب في اتجاه إضعاف أوروبا، وإظهارها منقسمةً على ذاتها.

*كاتب إماراتي