بات موضوع التعليم عن بعد يفرض نفسه على 80 من طلاب العالم حالياً بفعل تفشي فيروس كورونا المستجد. وبحسب منظمة اليونسكو، فإن مليار و37 مليون طالب لا يذهبون إلى مدارسهم بسبب الحجر الصحي. وقد أطلقت المنظمة تحالفاً عالمياً للتعليم من أجل دعم الدول في توسيع نطاق أفضل حلول التعلّم عن بُعد والوصول إلى الأطفال والشباب الأكثر عرضةً للخطر. فقد ألحق إغلاق المدارس بسبب الفيروس الضرر بأكثر من مليار ونصف المليار متعلّم موزّعين في 165 بلداً. وقالت المديرة العامة لليونسكو، أودرى أزولاى، فى هذا السياق: «لم يسبق لنا أبداً أن شهدنا هذا الحد من الاضطراب في مجال التعليم»، وأضافت قائلة: «إنّ إقامة الشراكات هو سبيلنا الوحيد للمضي قدماً».
والتخوف الكبير يطال الدول الفقيرة، فحسب البنك الدولي تعد البلدان الأكثر ثراءً أفضل استعداداً للانتقال إلى استراتيجيات التعلُّم عبر الإنترنت، وإن اكتنف الأمر قدر كبير من التحديات التي تواجه المعلمين والآباء. لكن الأوضاع في كل من البلدان الفقيرة ومتوسطة الدخل ليست على شاكلة واحدة، وإذا لم نتصرف على النحو المناسب، فإن ذلك الانعدام في تكافؤ الفرص سيزداد تفاقماً. فالعديد من الأطفال لا يملكون طاولات ولا كتباً، فضلاً عن صعوبة اتصالهم بالإنترنت أو عدم امتلاكهم للحواسيب المحمولة، بل هناك منهم من لا يجد مساندة من آبائهم، في حين يحظى آخرون بكل ما سبق. لذا يتعين علينا تفادي اتساع هذه الفوارق في الفرص وتجنب ازدياد الآثار السلبية على تعلُّم الأطفال الفقراء. ولحسن الحظ، يضيف تقرير البنك الدولي، فإننا نشهد في هذا الصدد قدراً كبيراً من الإبداع بالعديد من البلدان. فالكثير من وزارات التعليم تتفنن في الاعتماد على الاستراتيجيات بنّاءة وهادفة من خلال إتاحة التعليم عن بعد للجميع وبدون استثناء. وتتمثل الاستراتيجية المناسبة لأكثرية البلدان في استخدام جميع الوسائل الممكنة التي توفرها البنية التحتية الحالية في إيصال الخدمة. فيمكن استخدام أدوات الإنترنت في إتاحة مخططات الدروس، ومقاطع الفيديو، والدروس التعليمية، وغيرها من الموارد لبعض الطلاب، ولأكثر المعلمين على الأرجح. لكن، ينبغي أيضاً الاستعانة بالمدونات والتسجيلات الصوتية والموارد الأخرى التي تستهلك قدراً أقل من البيانات. وينبغي العمل مع شركات الاتصالات على تطبيق سياسات تعفي المستخدمين من الرسوم، لتيسير تنزيل مواد التعلُّم على الهواتف الذكية. كما أن الإذاعة والتليفزيون من الأدوات التي لا ينبغي الاستهانة بجدواها. ويمكن الاستفادة من الميزات التي توفرها لنا منصات التواصل الاجتماعي، مثل الواتساب، في تمكين وزارات التعليم من التواصل بفعالية مع الأهل والمعلمين، لتزويدهم بالإرشادات والتعليمات وهيكل عملية التعلُّم، مستعينةً بالمحتوى المقدم عبر الإذاعة أو التليفزيون. فلا يقتصر التعلُّم عن بعد على استخدام الإنترنت فقط، بل ينطوي على تعلُّم يعتمد على مجموعة متنوعة من الوسائط التي تكفل وصوله إلى أكبر عدد ممكن من طلاب اليوم.
شخصياً كأستاذ في الجامعة وكأب، كنت أتساءل في البداية عن مردودية مثل هذا التعليم عن بعد، خاصة عندما نعتاد على الالتقاء المباشر بالطلبة والتجاوب المباشر مع أسئلتهم وأبحاثهم، لكن عندما تكون الجهود مشتركة، وأعني جهود وزارة التعليم والجامعة والكلية والأساتذة والطلبة وشركات الاتصال والإذاعة والتلفزة.. فإن النتائج تصبح إيجابية بالكامل، وأعاين ذلك شخصياً مع الطلبة والباحثين في سلك الدكتوراه، ومع طفلي الصغيرين اللذين اعتادا مع بقية التلاميذ الدراسة عن بعد، وإتقان ما يتعلق بالتجاوب المباشر مع المعلمين، صورةً وصوتاً وكتابةً، من خلال أنظمة وأدوات الإنترنت التي توفرها الجهات التعليمية مشكورةً، والتي أحيي عملها في كل الدول لأنها بمثابة الأوكسجين الذي يجعل أبناءنا لا يتوقفون عن الدراسة مهما كانت الظروف.