يبدو أن اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» في أفغانستان يواجه خطر الانهيار. فقد تفاوضت طالبان مع الإدارة الأميركية على مدى عدة أشهر حول اتفاق يهدف إلى إحلال السلام في أفغانستان التي تمزقها الحرب. ورغم أن الجانبين وقّعا الاتفاق قبل شهرين، فإن الزخم من أجل تطبيقه تباطأ على نحو ملحوظ، حيث تتهم «طالبان» الولايات المتحدة بارتكاب انتهاكات خطيرة للاتفاق تشمل تنفيذ هجمات بوساطة طائرات من دون طيار على المدنيين والتأخر في إطلاق سراح 5 آلاف سجين ينتمون للحركة، مثلما وعدت بذلك خلال المفاوضات. وهذا التطور وحده يشير إلى نقص الثقة الكبير بين الأطراف المختلفة المشاركة في عملية السلام. وتأتي الصعوبة في تطبيق الاتفاق بينما ينصب تركيز الولايات المتحدة على مصدر قلقها الداخلي بعد أن أضحت بؤرة لانتشار فيروس كورونا.
وقد حذّرت «طالبان» من أن الانتهاكات المفترضة لاتفاق السلام ستؤدي إلى مزيد من العنف، مضيفةً أن من شأنها «خلق جو من انعدام الثقة لن يضر بالاتفاقات فحسب، بل سيرغم مقاتليها أيضاً على القيام برد مماثل سيزيد من مستوى القتال». وتقول «طالبان» إنها ملتزمة حتى الآن ببنود الاتفاق عبر مهاجمة قوات الأمن الأفغانية فقط والإحجام عن شن أي هجمات على القوات الدولية أو منشآتها العسكرية منذ توقيع الاتفاق.
ويُعد اتفاق السلام الذي وقع بين مبعوث السلام الأميركي زلماي خليل زاد والزعيم السياسي لـ«طالبان» الملا عبد الغني بارادار جزءاً رئيسياً من المفاوضات التي تسعى إلى إنهاء حرب دموية تمزق أفغانستان منذ قرابة عقدين. وبالنسبة للولايات المتحدة، يمنح الاتفاق واشنطن فرصة للخروج من أفغانستان، وهو شيء كان قد وعد به الرئيس دونالد ترامب منذ وصوله إلى السلطة. غير أنه في مؤشر على مدى صعوبة هذه المفاوضات، نفت الولايات المتحدة كل مزاعم «طالبان»، مشددةً على أن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة ببنود اتفاق السلام الموقع بين الجانبين.
والواقع أن الخطوة المقبلة في نجاح الاتفاق هي المفاوضات بين الحكومة الأفغانية و«طالبان». هذه الخطوة تُعد أكثر حسماً وأهمية لأن المفاوضات تمت حتى الآن بين «طالبان» والولايات المتحدة فقط. وإذا كانت الحكومة الأفغانية و«طالبان» غير قادرتين على العمل معاً بإخلاص، فإن أفغانستان يمكن أن تغرق من جديد في فوضى لا نهاية لها.
وقد شرعت كل من الولايات المتحدة و«الناتو» في سحب جنودهما من أفغانستان مؤخراً، ومن المتوقع أن تكتمل عملية سحب الجنود في غضون 14 شهراً. لكن إكمال الانسحاب مرتبط بمدى التزام «طالبان» بعدم السماح لأي تنظيم إرهابي بالاشتغال انطلاقاً من التراب الأفغاني، وبمساعدة المجتمع الدولي في المعركة ضد تنظيم «داعش». وبالتالي، فحتى في حال لم تتقدم المفاوضات بين الحكومة الأفغانية و«طالبان» إلى الأمام، فإن انسحاب القوات الأميركية والدولية سيتواصل. وهذا يمكن أن يجعل أفغانستان غير مستقرة وجاذبة للتنظيمات الإرهابية حتى تتجذر فيها وتوسّع أنشطتها. ومصدر القلق الأكبر هو أنه في حال فشل الاتفاق بين الجانبين، فإن ذلك سيفتح أفغانستان على الفوضى والاضطراب، حيث يمكن أن تجد تنظيمات قتالية، بما فيها داعش، موطئ قدم لها في أفغانستان وتتوسع في غياب القوات الغربية، ما يجعل البلاد غير مستقرة.
ومن الوضح أن ذلك السيناريوهات هو مما يرغب كل اللاعبين في أفغانستان في تجنبه. غير أنه إذا لم تستطع «طالبان» والحكومة الأفغانية العمل معاً، فإن هذا بالضبط ما يمكن أن يحدث. وكل هذه المتغيرات زادت من الشكوك بشأن ما إن كانت أفغانستان ستنعم بالسلام قريباً أم ستظل مصدراً لانعدام الاستقرار. هذا علماً بأن انعدام الاستقرار في أفغانستان لا يؤثر عليها وحدها، وإنما على كل البلدان الأخرى في المنطقة. وفضلا عن ذلك، فليس ثمة في الوقت الراهن مؤشر على أن الأطراف المختلفة، بما فيها الحكومة، مستعدة لهذا الأمر، وذلك نظراً لأن ثمة الكثير من العوامل والمتغيرات، مثل انعدام الاستقرار السياسي بسبب التنافس المحتدم بين الرئيس أشرف غني ومنافسه الرئيسي عبدالله عبدالله.
غير أنه في أخبار أخرى أكثر إيجابية، تقوم «طالبان» بحملات توعية مستمرة حول فيروس كورونا، حيث يشدد مقاتلو الحركة على ضرورة أن يستخدم السكان الكمامات والفقازات من أجل الوقاية، وألا يخرجوا من بيوتهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. كما يقومون بتوفير ممرات آمنة للعمال الصحيين والمنظمات الدولية التي تعمل من أجل منع انتشار الفيروس في أفغانستان. دعمهم وجهودهم لمحاربة وباء فيروس كورونا منح بعض الأمل في إمكانية أن يفضي إلى وقف لإطلاق النار في كل مناطق النزاع وفي إمكانية أن تجد الحكومة والحركة معاً طريقةً للتعاون والعمل المشترك. غير أن ذلك لم يحدث بعد، إذ تواصل «طالبان» شن هجماتها على قوات الأمن الأفغانية، فيما ترفض الحكومة الإفراج عن سجناء «طالبان» الذين في قبضتها. ومن الواضح أن وباءً قاتلا لم يفلح في جلب قدر من وقف إطلاق النار بين أطراف النزاع حتى الآن!