كورونا فيروس أرهق الناس، فهم صرعى حربٍ لم تكن في حساباتهم، لكن المتأمل الإيجابي لهذه الجائحة، يجد فيها رسائل رفضت البشرية تعلمها في الرخاء، فكان من الواجب أن تتجرعها في الضراء، العقلاء من الناس بدأوا في كتابة دروس تعلموها من محنة كورونا.

لعلي أستهل هذا المقال بكلمات يجب أن تصاغ بمداد من ذهب، خطها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عندما قال: «بقي العالم لسنوات يتجادل من يقود الآخر السياسة أم الاقتصاد من العربة ومن الحصان؟ واكتشفنا في زمن الكورونا أن الحصان وعربته تحملهما الصحة، وأن السياسة والاقتصاد تتقزمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه».

وقد كتبت في تويتر الخاص بي، أن فيروس كورونا يحمل رسائل لأهل الأرض، يفهمها العقلاء من أمثالكم، وطلبت من المتابعين الكرام كتابة عبارة واحدة لفائدة تعلمها من هذه الجائحة، وكانت الردود على كثرتها مبدعة، منها: أن الوطن الآمن نعمة تستحق الشكر.. مهما بلغ علم البشر يأتي أدنى فيروس ويبعثر علمهم.. أغلى ما يملك الإنسان، صحته.

ومن أجمل التعليقات كانت: آخر شيء تلاحظه السمكة هو الماء الذي تسبح فيه، ومن أروع ما قرأت من تعليقات: أن قيمة الطبيب والمعلم والعسكري معنوياً ومادياً أعلى بكثير من الفنان والمغني والمشهور، لنعيد موازين الخلق بموازين الحق.. جميلة هذه الفكرة، وفي تصوري أن الدول ستضع سلماً للأولويات، وستربطها بمدى الحاجة والفائدة المرجوة منها، فلا يُعقل أن يكون راتب لاعب الكرة، مع حبي للرياضة، أكثر من راتب لواء في الجيش، ولا ينبغي أن تكون الميزانية المخصصة للفن والفنانيين، مع تقديري لجهدهم، أكبر من الميزانية المخصصة لتدريب المعلمين أو تطوير الأطباء والممرضين، من دروس هذه المحنة التي تعلمها العالم، أن تخصيص الخدمات الأساسية للإنسان ومنها الصحة والتعليم، فكرة ينبغي أن يعاد النظر فيها، فأول الدول التي انهارت كانت أكثرها تخصيصاً لميادين الصحة، عندما تتنافس شركات القطاع الخاص في مجال كالصحة والتعليم، فهم يبحثون عن الربح أولاً ثم خدمة المجتمع.
هذه المعادلة ينبغي أن تعاد صياغتها، بعد هذه التجربة، التعليم والصحة خدمات أساسية للإنسان، لا ينبغي أن تكون صرعى للعرض والطلب في سوق التجارة العالمية، لقد نجحت الإمارات، لأنها لم تهمل القطاع العام، وأتمنى أن يستمر هذا التطوير، وتحديداً للخدمات الصحية العامة والتعليم الحكومي العام والعالي، فهما ركيزتان أساسيتان في الحياة الكريمة للإنسان في الأوطان.
وقد تفاءل الناس خيراً بكلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووقفته الكريمة مع العاملين بقطاع الصحة، فهم جنود في الميدان يلبسون البياض، يستحقون منا كل الدعم والإشادة.
وختاماً، فهذا اقتراح لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، بصفته أهم المراكز المتخصصة لدعوة عدد من الحكماء، لكتابة ورقة علمية كل حسب تخصصه حول دروس من كورونا، تعقد بعدها جلسة نقاش، لرفع التوصيات المناسبة لصناع القرار، كي تتحول المحنة إلى منحة.

أكاديمي إماراتي