مرت أربعة أسابيع على إغلاق واشنطن العاصمة حتى الآن. وخلال هذه الفترة، شهدت المدينة والضواحي المحيطة بها ربيعا جميلا مع تفتح الكثير من أزهار الكرز. في الأوقات العادية، يتوافد الآلاف من السياح على المدينة حيث يتزامن تفتح الأزهار عادة مع عطلات الربيع والاحتفال بالأعياد الدينية. لكن في هذا العام، كانت الطرق والممرات فارغة، وأغلقت معظم المتاجر ودور السينما والمطاعم أبوابها، بينما تم إلغاء جميع المدارس والأنشطة الرياضية. ومنْ ظل منا في الحجر الصحي في منزله فهو محمي حتى الآن من المخاطر الأولية الناجمة عن الإصابة بالفيروس. ومن ناحية أخرى، تقوم معظم الصيدليات ومحلات البقالة بتوصيل الطلبات للزبائن في منازلهم، وبصرف النظر عن النقص الأولي في بعض السلع نتيجة للاكتناز، فإن معظم الأطعمة وغيرها من المنتجات الأساسية الأخرى متاحة. وفي ظل هذه الظروف، فإن معظم الأشخاص الأكثر عرضة للخطر ليسوا كبار السن الذين يقيمون في المنزل، ولكن هؤلاء الذين يتعين عليهم العمل ولا يمكنهم تجنب الاتصال الوثيق مع الآخرين. ونتيجة لذلك، هناك أعداد متزايدة من العاملين الرئيسيين في الخطوط الأمامية في مجالات البقالة والمستشفيات وخدمات الإسعاف والشرطة ورجال الإطفاء هؤلاء الذين في الوحدات العسكرية الذين هم أكثر عرضة للخطر. وقد أظهر هذا الواقع أوجه خلل مهمة في المجتمع الأميركي وفشل شبكات الأمان الاجتماعي في حماية هؤلاء العمال الذين لهم أهمية حيوية في خدمة المجتمع.

بدأ العديد من الأميركيين في تقدير اعتمادنا جميعا على عمال الخطوط الأمامية والخدمة الصحية القوية. ومع ذلك، فإن الملايين من الأميركيين ليس لديهم تغطية صحية ومعظم هؤلاء العاملين أنفسهم يعيشون على الراتب الشهري فقط وليس لديهم مدخرات تذكر أو ليس لديهم مدخرات على الإطلاق لأوقات الطوارئ. وبمجرد أن تتراجع ذروة الوباء، سيتعين على البلاد الاستعداد لإجراء الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر، والتي ستركز على الكيفية التي أدار بها البيت الأبيض وحكام الولايات البلاد أثناء تفشي الفيروس، وكذلك ما الذي ينبغي القيام به لمنع تكرار هذه الصور من عدم المساواة التي تبين أنها موجودة في واحدة من أغنى البلدان في العالم.
في حين أن هذه القضايا ستكون عاملا في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن الجدل بشأن العدالة الاجتماعية سيكون باهتا مقارنة بالأزمات المتوقعة والتي ستصبح، بحلول ذلك الوقت، راسخة تماما في البلاد الأفقر في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. وقد أشار عدد من المعلقين، ومن بينهم هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن الأسوأ في هذا الوباء العالمي لم يأت بعد. فالبلدان الضعيفة ليس لديها أي من المرافق الصحية الموجودة في البلدان الأكثر ثراء التي تحملت حتى الآن وطأة الفيروس. ولن تتمكن هذه البلدان من المشاركة في عمليات الإغلاق الوطني وإجراءات الاختبار. ونتيجة لذلك، فإن العديد من الدول لن تتمكن من وقف انتشار الفيروس داخل حدودها وعاجلا أم آجلا سيعود الفيروس إلى بلدان نصف الكرة الشمالي. ومن المرجح أيضا حدوث اضطرابات اجتماعية على نطاق واسع في هذه الدول، حيث تستسلم الأنظمة الطبية والغذائية تحت ضغط الجائحة. وهذا سيعني حدوث اضطرابات كبيرة في التجارة، بما في ذلك توريد المواد الخام اللازمة لدعم مصانع الدول الصناعية الكبرى ومن بينها الصين.
ولهذا، فإن الأزمة العالمية تتطلب قيادة عالمية حاسمة، لكن المرشح المعتاد للقيام بهذا الدور، أي الولايات المتحدة، تنازل عن هذا الدور التاريخي بسبب سياسة «أميركا أولا» التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب. من جانبها، تحاول الصين إظهار قدرتها على الاضطلاع بهذا الدور القيادي وإبراز «القوة الناعمة». ولم تتمكن الأمم المتحدة من إظهار التعبئة لاستجابة عالمية في مواجهة الأزمة، بينما تواجه منظمة الصحة العالمية إدارة أميركية معادية، ومثل هذه التغييرات ستقلل من فعالية المنظمة.
وإلى أن يجد المجتمع الدولي وسيلة للتعاون في البحث عن طرق للتخفيف من آثار أخطر أزمة واجهت العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فإن آفة الفيروس التاجي ستستمر بلا هوادة دون أن تبدو لها نهاية في الأفق.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشونال انترست- واشنطن