ركزت التقارير الصحفية الورادة من إسرائيل وفلسطين، على الصعوبات التي تواجهها إسرائيل في تشكيل حكومة جديدة، والإجراءات التي تتخذها إسرائيل لمواجهة فيروس كورونا، لكن خلف هذا يكمن الدور الذي تلعبه العنصرية المعادية للعرب في هذه التطورات.
فالعنصرية هي التي حالت بين كتلة «أزرق أبيض»، بقيادة بيني جانتس وبين تشكيل حكومة، صحيح أن القوى المناهضة لنتنياهو بقيادة «جانتس»، فازت بأغلبية 61 مقعداً في الكنيست، لكن 15 من هذه المقاعد فازت بها القائمة العربية الموحدة، وبعد السماح لجانتس بتشكيل حكومة، كثف نتنياهو حملته من التحريض ضد العرب وضد جانتس، زاعماً أن «الشراكة مع العرب مثل التحالف مع مؤيدي الإرهاب»، ويتبع نتنياهو هنا النهج ذاته الذي اتبعه هو و«أرييل شارون» من قبل، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، في التحريض ضد رئيس الوزراء اسحاق رابين، فقد أعلنا أن حكومة رابين حكومة أقلية، لأنها تحالفت مع أعضاء الكنيست العرب لتحقق الأغلبية، ووصفوا رابين بأنه من أنصار الإرهابيين، ورفضوا اتفاقات السلام التي توصل إليه مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
وبعد أخذ ورد، استسلم «جانتس» لنتنياهو، ووافق على تشكيل ائتلاف حكومي يتولى فيه نتنياهو رئاسة الوزارة، صحيح أن كل بنود الائتلاف لم تتدعم بعد، لكن إحدى التنازلات المبكرة التي قدمها «جانتس»، تمثلت في قبول طلب نتنياهو بأن تضم إسرائيل رسمياً منطقة غور الأردن الفلسطينية، والمستوطنات التي أقامتها إسرائيل على أراض فلسطينية.
وهناك حجتان جديدتان، يسوقهما الإسرائيليون المؤيدون للضم، أولهما: أن دونالد ترامب ربما لا يفوز بالانتخابات في نوفمبر؟، ولذا يتعين على إسرائيل أن تتحرك بحلول نهاية الصيف لتضمن دعماً أميركياً، والثانية هو أن فيروس كورونا الذي يعيث الفساد في الشرق الأوسط، يعزز أهمية منطقة غور الأردن لحماية إسرائيل من المرض والفوضى، التي ربما تأتي من الأردن المجاور، وهذه الحجة عنصرية ضمناً وصراحة، وتقوم على أساس أنه كي نتفادى مشكلات قادمة من الجار، يتعين على إسرائيل ضم الضفة الغربية، وبالتالي تعزيز سيطرتها القمعية الشبيه بالابارتيد على السكان الفلسطينيين العرب، الذين يعادلون في العدد السكان اليهود.
وكي نستوعب المستقبل الذي يستشرفه جناح إسرائيل اليميني، يتعين على المرء أن ينظر فحسب إلى السياسات التي اتبعتها حكومة نتنياهو الانتقالية في الآونة الأخيرة تجاه عرب إسرائيل الذين يشكلون 20% من سكان إسرائيل، وتجاه أكثر من 4.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وغزة، ففي نهاية فبراير الما، أقامت إسرائيل محطات اختبار الإصابة بفيروس كورونا للأشخاص، دون مغادرة سياراتهم على امتداد البلاد، لكن لم تتم إقامة واحدة منها في بداية الأمر في مناطق إقامة العرب، وحين فرضت إسرائيل في نهاية المطاف إغلاقاً للسيطرة على انتشار الفيروس، لم يتضمن الإغلاق مراكز تجمعات العرب، وبينما كان عرب إسرائيل ممن وقفوا في الخطوط الأمامية لمحاربة الوباء- فخُمس أطباء إسرائيل من العرب، وأيضاً ربع ممرضيها من العرب- لكن تجمعاتهم تفتقر إلى الخدمات بشكل كبير، ولذا رفض خبراء التقارير التي تشير إلى انخفاض معدلات الإصابة وسط السكان العرب، لأن هذا على الأرجح ناتج عن الافتقار إلى إجراء الاختبارات، وأشار إحصاء للصحافة الإسرائيلية، أنه بحلول بداية أبريل لم يتم إجراء الاختبار إلا على 6500 من عرب إسرائيل، مقابل إجراء الاختبار على 80 ألف يهودي إسرائيلي.
والفلسطينيون في الأراضي المحتلة يواجهون وضعاً صعباً بسبب استمرار الاحتلال، فالجيش الإسرائيلي يواصل مداهماته الليلية العنيفة على البلدات والقرى الفلسطينية، التي شهد الشهر الماضي وحده منها 200 مداهمة، هذا بالإضافة إلى عنف المستوطنيين، الذي تصاعد في الأسابيع القليلة الماضية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتحدثت تقارير صادرة عن جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية عن مصادرة قوات إسرائيلية لإمدادات ومواد طبية، كانت متجهة لإقامة مستشفى ميداني، تمس الحاجة إليها في الضفة الغربية.
والسلطة الفلسطينية التي تترنح اقتصادياً بالفعل، تواجه الآن صعوبات إضافية بعد اضطرار عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين، إلى ترك وظائفهم في إسرائيل، والعودة إلى منازلهم في الضفة الغربية، وظروفهم في إسرائيل كانت مؤسفة نتيجة إغلاق فيروس كورونا، فقد حرموا من أجورهم والغذاء والرعاية الصحية، وما أن عادوا إلى الضفة الغربية، حتى ارتفع عدد الأفراد المصابين بالفيروس.
وهذا يضع عبئاً لا يحتمل على عاتق الخدمات الطبية الضعيفة أصلاً في الأراضي الفلسطينية، وفي وقت سابق، حين استوردت إسرائيل 100 ألف حزمة اختبارات لكورونا، ذكرت الصحافة الإسرائيلية أنها أرسلت بضعة آلاف فقط إلى الضفة الغربية، وبضع مئات إلى غزة، والنتيجة هي بالطبع أن الفيروس سينتشر، بل انتشر على الأرجح بالفعل في الأراضي المحتلة، والأعداد التي سيجري رصدها ستكون أقل بسبب الافتقار إلى الاختبارات، وهناك مشكلة القدرات أيضاً، فالضفة الغربية ليس بها إلا 200 جهاز تنفس صناعي، وغزة ليس بها إلا نحو 80 سرير رعاية مركزة، منها 72% مشغول بحالات بالفعل، ورفضت إدارة ترامب في الأيام القليلة الماضية التماساً من الكونجرس، بإرسال دعم طبي طارئ إلى السلطة الفلسطينية، بينما سمحت في الوقت نفسه بشراء مليون قناع طبي، وإمدادات أخرى للجيش الإسرائيلي.
التقاء معاداة العرب بوباء كورونا ستكون له عواقب، فبينما يتخيل الجناح اليميني الإسرائيلي، أن ضم غور الأردن سيعزل إسرائيل بعيداً عن المرض والفوضى، لكنه في الواقع ينهي مصيرهم، فهذا سيسرع بخطى إسرائيل، لأن تصبح دولة ابارتايد كاملة التكوين، وتجاهل إسرائيل لحياة العرب سيضمن انتشار الفيروس، الذي لا يميز بين الأجناس، ليحصد حصيلة تتزايد دوماً من العرب واليهود على السواء.

*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن