يثير اليهود المتدينون «الحريديم» الجدل في المجتمع الإسرائيلي، ليس لرفضهم التجنيد الإجباري هذه المرة، بل لتسببهم في وقوع أزمة كبيرة، نتيجة اعتقاداتهم الدينية التي تؤدي إلى إفشال مكافحة فيروس كورونا المستجد، برفضهم التعليمات الصحية، ما حول المدن التي يقطنونها إلى بؤر للفيروس، وأجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات مشددة بحق أحيائهم، ورغم أن الكثير منهم اقتنعوا مؤخراً بالتهديد الذي يمثله الفيروس، فإن المدن المتطرفة التي يعيشون فيها تحولت إلى بؤر للوباء، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: لإصرارهم على تعاليم دينية صارمة، مثل تأدية الصلاة جماعة، وإقامة حفلات الزواج.. ويكفي أن وزير الصحة «الحاخام الحريدي» (يعقوب ليتسمان) القائل بأن «فيروس كورونا عقاب ضد المخنثين»، أصيب وزوجته بالفيروس بعد مخالفته تعليمات الطوارئ الاحترازية، التي كانت وزارته مسؤولة عنها وتقود تنفيذها، وفي هذا الموضوع تقول الكاتبة الإسرائيلية «جيسكا آبل»: إن «السكان الذين لا يعرفون أي علم، ليسوا مؤهلين لفهم خطر الفيروس، والشخص الذي لم يتعلم أبداً الرياضيات لا يمكن أن نتوقع منه فهم الرسوم البيانية التي توضح تصاعد عدد الإصابات»، وأضافت: «عندما يُقال للسكان الذين يعتبرون قادتهم الدينيين معصومين من الخطأ، وأن التوراة ستحميهم، وأن مبادئ تطبيق القانون العلمانية نازية ومعادية للسامية.. سيكون من السهل عليهم عدم الامتثال للأوامر والاستهانة بخطر الفيروس».
وفي تقرير نشرته صحيفة «هآرتس»، يقول الكاتب «آرون رابينوفيتش»: «لعل إسرائيل تعتمد على التكنولوجيا بالدرجة الأولى في مكافحة انتشار المرض، والهواتف الذكية التي من شأنها مساعدة السلطات في تحديد أماكن المصابين، تواجه وزارة الصحة صعوبة في تحديد الحالات المحتملة للفيروس التي تتطلب العزل في المدن المتطرفة، نظراً لمعتقداتهم الدينية حول استخدام الهواتف الذكية، ووصول الأمر إلى تحريمها».
ثانياً: الاكتظاظ السكاني وصعوبة التباعد الاجتماعي، إذ قد يصل عدد الأطفال في العائلة الصغيرة إلى 10 أو أكثر، وهو أمر يضعف فعالية الحجر المنزلي، ويزيد التعرض للإصابة، كما أن هذا الجمهور بطبيعته يرفض الإندماج في المجتمع الإسرائيلي، ويميل للعيش ضمن مجتمعات منغلقة، في أحياء بالقدس المحتلة ومدينة «بني براك»، وبعض المستوطنات الأخرى، وهؤلاء يقيمون طقوسهم الدينية ويعيشون حياتهم اليومية وفق تفاصيل الشريعة اليهودية، ويرفضون أي تغيير فيها.
ثالثاً؛ الفقر، فوفقاً للإحصاءات الإسرائيلية، يعيش أكثر من نصف جماعات «الحريديم» تحت خط الفقر، كون منظومة التعليم الحريدية تتبنى تعاليم دينية صارمة لا توجه أفرادها للانفتاح على المهن التي يتطلبها سوق العمل، كما أن كبر العائلة الحريدية، مقارنة بالعائلة اليهودية العادية، يصعّب مهمة المعيل الوحيد الذي غالباً ما يكون المرأة، لأن الرجال يذهبون للمدارس الدينية.
وثمة تخوف سابق لوباء كورونا، لطالما ناقشه باحثو مستقبل إسرائيل، خاصة في ضوء الزيادة الطبيعية للحريديم، فحسب معطيات «دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية»، فإنه يتوقع في عام 2065، أن تصل نسبة الحريديم إلى 32% من السكان (مقابل 12% حالياً). في السياق ذاته، قال «سيرجيو ديلا فيرغولا»، البروفيسور في الجامعة العبرية بالقدس والخبير الديموغرافي الإسرائيلي: «سكان إسرائيل ليسوا مجموعة متجانسة، بل مؤلفة من مجموعات مختلفة، ذات ملامح ثقافية وديموغرافية متنوعة ومعدلات نمو مختلفة.. وتدل التوقعات أن قسماً آخذاً بالتزايد من السكان اليهود يعكس النمو الأكثر تسارعاً لفئة الحريديم، وسترتفع نسبة هؤلاء بين السكان اليهود من 14% عام 2015، إلى 28% عام 2045، ثم 40% عام 2065».
وختم بالقول: «سيسمح الوزن المتزايد للحريديم، بالحفاظ على التوازن الديموغرافي الحالي، لكنه سيطرح أسئلة أخرى: هل سيتمكنون من الاندماج بشكل أفضل في المجتمع والاقتصاد وتحسين مستوى حياتهم؟ وهل سيقود ذلك إلى تقلص العائلات الحريدية؟ الأمر المؤكد هو أن مفتاح المستقبل الديموغرافي لإسرائيل موجود بأيدي الحريديم».

*كاتب وباحث سياسي