وجوه تأتيك مثل النسمة، تغير فيك ما علق في رأسك من شوائب. وجوه تلهمك، وتجعلك تتجدد وتمشي على الأرض مثل النورس.
وجوه تنحت فيك زجاجة الوعي وتجعل لك بريقاً مدهشاً يفرحك عندما ترى نفسك في المرآة. وجوه تغرس في داخلك باقات ورد وتجعل داخلك بستاناً يفوح بالعطر الشجي.
وجوه مثل النهر، تطهرك من أدرانك ومن أشجانك، وتمضي بك في الوجود مثل فراشة، وتلون فيك النظرة، وتجلو عن بصيرتك غشاوة أزمنة غابرة.
وجوه هكذا هي خلقت لأجل إسعاد الناس، وإنبات العشب القشيب بين أضلعهم. وجوه هي هكذا لا تشعر بالسعادة إلا عندما ترى الابتسامة على وجوه الآخرين بحجم سحابة المطر.
وجوه لها عيون أشبه ببلورات تضيؤك، وتأخذك إلى عوالم فيها من البهجة ما يسعدك، وفيها من التفاؤل ما يجعلك تذهب إلى الحياة مثل الغزلان البرية ساعة رفرفة السنابل على أرض خصب.
وجوه أشبه بأحلام زاهية تعزف نشيد الحب وتدوزن أوتار الفرح، وتجعل من رموشها جداول نهلك البقاء من دون منغصات ولا غضون.
وجوه تملؤك بالعذوبة، وتصبح أنت المعنى بجمال الوجوه، فراشة تطل على وردة الصباح، فترشف من رحيقها، ثم تزم الشفتين على نسمة العطر بشغف ولهف. وجوه تكتسي دوماً ببريق أشبه بطريق مضاء بسكينة الأوفياء ووفاء النجباء وحقيقة النبلاء. وجوه لو حدقت في سحنتها، لانجلت عنك الهموم، وزالت عن كاهلك الغموم، وانقشعت عن وعيك السقوم، وأصبحت في الحياة، طفلاً كبيراً مؤزراً ببراءة الفطرة، وصفاء العفوية. وجوه لو هيئ للعالم أن يحظى بها، لخمدت نيران الحروب، وولت الكراهية إلى غير رجعة، وانطفأت حرائق المغامرات الفاشلة، واكتسى العالم بثوب السندس، وتحلت الأرض بأخلاق الطير، وتجلت التضاريس بقيم الكائنات الوادعة وعاش العالم بسلام ووئام وانسجام واحترام، ولم يبق في الكون مغبون ولا مكسور. وجوه تجلي عن القلب الهم، وتجعل الصدر باحة مزروعة بزعفران الفرح، وريحان السعادة.
وجوه كصفحات بيضاء لا فيها هنة جملة ولا فيها وهن تعبير وجوه تطور فيك المعاني، وتشذب شجرتك من الأوراق الصفراء، وتجعل من أعشاش عصافيرك، قصوراً تسكنها ملائكة بصورة بشر.
وجوه تستطيع أن تغير وجه العالم بابتسامة أشف من الماء الرقراق، وكلمة أعذب من الشهد. وجوه عندما تطل في المكان، وكأنها السحابة عندما تمر على أرض جدب فتحولها إلى نجود خضراء ترتع بالينوع واليفوع. وجوه عندما تراها، ترى في الوجود لمعة البرق، ونفة المطر، وهفهفة النسمة، ورفرفة الأجنحة الشفيفة، ورقرقة العيون الحور الدعج النجلاوات.
وجوه تمتلكك، عندما تطويك برموش كأنها أهداب الليل.